الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله { زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ } الزعم هو القول بالظنّ، ويطلق على الكذب. قال شريح لكل شيء كنية، وكنية الكذب زعموا، و { أَن لَّن يُبْعَثُواْ } قائم مقام مفعول زعم، و " أن " هي المخففة من الثقيلة لا المصدرية لئلا يدخل ناصب على ناصب، والمراد بالكفار كفار العرب والمعنى زعم كفار العرب أن الشأن لن يبعثوا أبداً. ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يردّ عليهم ويبطل زعمهم فقال { قُلْ بَلَىٰ وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ } بل هي التي لإيجاب النفي، فالمعنى بلى تبعثون. ثم أقسم على ذلك، وجواب القسم { لتبعثنّ } أي لتخرجنّ من قبوركم، { لتنبؤن بِمَا عَمِلْتُمْ } أي لتخبرنّ بذلك إقامة للحجة عليكم، ثم تجزون به { َذَلِكَ } البعث والجزاء { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إذ الإعادة أيسر من الابتداء { فآمنوا بالله ورسوله } الفاء هي الفصيحة الدالة على شرط مقدّر أي إذا كان الأمر هكذا، فصدّقوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم { وَٱلنّورِ ٱلَّذِى أَنزَلْنَا } وهو القرآن لأنه نور يهتدى به من ظلمة الضلال { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم، فهو مجازيكم على ذلك { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } العامل في الظرف { لتنبؤن } ، قاله النحاس. وقال غيره العامل فيه خبير، وقيل العامل فيه محذوف هو اذكر. وقال أبو البقاء العامل فيه ما دلّ عليه الكلام، أي تتفاوتون يوم يجمعكم. قرأ الجمهور { يجمعكم } بفتح الياء وضم العين، وروي عن أبي عمرو إسكانها، ولا وجه لذلك إلاّ التخفيف، وإن لم يكن هذا موضعاً له، كما قرىء فيوَمَا يُشْعِرُكُمْ } الأنعام 109 بسكون الراء، وكقول الشاعر
فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل   
بإسكان باء أشرب، وقرأ زيد بن عليّ، والشعبي، ويعقوب، ونصر، وابن أبي إسحاق، والجحدري نجمعكم بالنون، ومعنى { لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } ليوم القيامة، فإنه يجمع فيه أهل المحشر للجزاء، ويجمع فيه بين كل عامل وعمله، وبين كل نبيّ وأمته، وبين كل مظلوم وظالمه { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ } يعني أن يوم القيامة هو يوم التغابن، وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر، وأهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشرّ، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، وأهل الجنة على العكس من ذلك. يقال غبنت فلاناً إذا بايعته، أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة، كذا قال المفسرون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً نكْفُر عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ } أي من وقع منه التصديق مع العمل الصالح استحق تكفير سيئاته، قرأ الجمهور يكفر ويدخله بالتحتية، وقرأ نافع، وابن عامر بالنون فيهما، وانتصاب { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } على أنها حال مقدّرة، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من التكفير والإدخال، وهو مبتدأ، وخبره { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي الظفر الذي لا يساويه ظفر.

السابقالتالي
2 3