الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

قوله { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } أي ينزهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } يختصان به ليس لغيره منهما شيء، وما كان لعباده منهما، فهو من فيضه وراجع إليه { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } أي فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن. قال الضحاك فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السرّ كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر. وقال عطاء فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. قال الزجاج إن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر. وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه لأن وجود خلاف المقدّر عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل. قال القرطبي وهذا أحسن الأقوال، وهو الذي عليه جمهور الأمة، وقدّم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم. ثم لما ذكر سبحانه خلق العالم الصغير أتبعه بخلق العالم الكبير فقال { خلق ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ بِٱلْحَقّ } أي بالحكمة البالغة. وقيل خلق ذلك خلقاً يقيناً لا ريب فيه، وقيل الباء بمعنى اللام، أي خلق ذلك لإظهار الحق، وهو أن يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. ثم رجع سبحانه إلى خلق العالم الصغير فقال { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } قيل المراد آدم خلقه بيده كرامة له، كذا قال مقاتل، وقيل المراد جميع الخلائق، وهو الظاهر، أي أنه سبحانه خلقهم في أكمل صورة وأحسن تقويم وأجمل شكل. والتصوير التخطيط والتشكيل. قرأ الجمهور { فأحسن صوركم } بضمّ الصاد، وقرأ زيد بن عليّ، والأعمش، وأبو زيد بكسرها { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } في الدار الآخرة، لا إلى غيره { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضِ } لا تخفى عليه من ذلك خافية { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } أي ما تخفونه وما تظهرونه، والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لمزيد التأكيد في الوعد والوعيد { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } هذه الجملة مقرّرة لما قبلها من شمول علمه لكل معلوم، وهي تذييلية. { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } وهم كفار الأمم الماضية كقوم نوح، وعاد، وثمود، والخطاب لكفار العرب { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } بسبب كفرهم، والوبال الثقل والشدّة، والمراد بأمرهم هنا ما وقع منهم من الكفر والمعاصي، وبالوبال ما أصيبوا به من عذاب الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وذلك في الآخرة، وهو عذاب النار والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما ذكر من العذاب في الدارين، وهو مبتدأ، وخبره { بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } أي بسبب أنها كانت تأتيهم الرسل المرسلة إليهم بالمعجزات الظاهرة { فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أي قال كل قوم منهم لرسولهم هذا القول منكرين أن يكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك، وأراد بالبشر الجنس، ولهذا قال { يهدوننا }.

السابقالتالي
2