الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } * { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } يعني أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أوّلياً، وهو أن رجالاً من مكة أسلموا، وأرادوا أن يهاجروا، فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم، فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله، والضمير في { فَٱحْذَرُوهُمْ } يعود إلى العدوّ، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأوّل لأن العدوّ يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة، ثم أرشدهم الله إلى التجاوز، فقال { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ } أي تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها، وتتركوا التثريب عليها وتستروها { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، قيل كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها، وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب أزواجه وأولاده، فأنزل الله { وَأَن تَعْفُواْ } الآية، والآية تعمّ وإن كان السبب خاصاً، كما عرفناك غير مرة. قال مجاهد والله ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام، فأعطوهم إياه. ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي بلاء واختبار ومحنة، يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله، فلا تطيعوهم في معصية الله { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } لمن آثر طاعة الله، وترك معصيته في محبة ماله وولده. ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } أي ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ومنهم قتادة، والربيع بن أنس، والسديّ، وابن زيد، وقد أوضحنا الكلام في قوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ومعنى { وَٱسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ } أي اسمعوا ما تؤمرون به، وأطيعوا الأوامر. قال مقاتل { اسمعوا } أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم، وأطيعوا لرسوله فيما يأمركم وينهاكم. وقيل معنى { اسمعوا } اقبلوا ما تسمعون لأنه لا فائدة في مجرد السماع { وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأنفُسِكُمْ } أي أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها، وقوله { خَيْراً لاِنفُسِكُمْ } منتصب بفعل مضمر دلّ عليه أنفقوا، كأنه قال ائتوا في الإنفاق خيراً لأنفسكم، أو قدّموا خيراً لها، كذا قال سيبويه. وقال الكسائي، والفرّاء هو نعت لمصدر محذوف، أي إنفاقاً خيراً. وقال أبو عبيدة هو خبر لكان المقدّرة، أي يكن الإنفاق خيراً لكم. وقال الكوفيون هو منتصب على الحال، وقيل هو مفعول به لأنفقوا، أي فأنفقوا خيراً.

السابقالتالي
2