الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } * { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله { إِذَا جَاءكَ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } أي إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك، وجواب الشرط { قالوا } ، وقيل محذوف، و { قالوا } حال، والتقدير جاءوك قائلين كيت وكيت، فلا تقبل منهم، وقيل الجواب { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } وهو بعيد { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } أكدوا شهادتهم بإنّ واللام، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم مع خلوص اعتقادهم، والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه، ومعنى { نشهد } نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم، ومن هذا قول قيس بن ذَريح
وأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا   
ومثل نشهد نعلم، فإنه يجري مجرى القسم، كما في قول الشاعر
ولقد علمت لتأتينّ منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها   
وجملة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } معترضة مقرّرة لمضمون ما قبلها، وهو ما أظهروه من الشهادة، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد لا إلى منطوق كلامهم، وهو الشهادة بالرسالة، فإنه حقّ، والمعنى والله يشهد إنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم من التأكيد الدالّ على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب، وموافقة باطن لظاهر. { ٱتَّخَذْواْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } أي جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم، وإن محمداً لرسول الله وقاية تقيهم منكم، وسترة يستترون بها من القتل والأسر، والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه، وقد تقدّم قول من قال إنها جواب الشرط. قرأ الجمهور { أيمانهم } بفتح الهمزة، وقرأ الحسن بكسرها، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة المجادلة، { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي منعوا الناس عن الإيمان والجهاد، وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوّة. هذا معنى الصدّ الذي بمعنى الصرف، ويجوز أن يكون من الصدود، أي أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه { إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من النفاق والصدّ، وفي ساء معنى التعجب، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره من الكذب، والصدّ، وقبح الأعمال، وهو مبتدأ، وخبره { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } أي بسبب أنهم آمنوا في الظاهر نفاقاً { ثُمَّ كَفَرُواْ } في الباطن، أو أظهروا الإيمان للمؤمنين، وأظهروا الكفر للكافرين، وهذا صريح في كفر المنافقين، وقيل نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدّوا، والأوّل أولى، كما يفيده السياق. { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ختم عليها بسبب كفرهم. قرأ الجمهور { فطبع } على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه، ويدل على هذا قراءة الأعمش فطبع الله على قلوبهم.

السابقالتالي
2 3 4 5