الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } قد تقدم تفسير هذا في أوّل سورة الحديد، وما بعدها من المسبحات { ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } قرأ الجمهور بالجرّ في هذه الصفات الأربع على أنها نعت لـ { لله } ، وقيل على البدل، والأوّل أولى. وقرأ أبو وائل بن محارب، وأبو العالية، ونصر بن عاصم، ورؤبة بالرفع على إضمار مبتدأ. وقرأ الجمهور { القدوس } بضم القاف، وقرأ زيد بن علي بفتحها، وقد تقدم تفسيره. { هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ } المراد بالأميين العرب، من كان يحسن الكتابة منهم ومن لا يحسنها لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، والأميّ في الأصل الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وكان غالب العرب كذلك، وقد مضى بيان معنى الأميّ في سورة البقرة، ومعنى { مِنْهُمْ } من أنفسهم، ومن جنسهم، ومن جملتهم، وما كان حيّ من أحياء العرب إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، ووجه الامتنان بكونه منهم أن ذلك أقرب إلى الموافقة لأن الجنس أميل إلى جنسه وأقرب إليه { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ } يعني القرآن مع كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولا تعلم ذلك من أحد، والجملة صفة لـ { رسولاً } ، وكذا قوله { وَيُزَكّيهِمْ } قال ابن جريج، ومقاتل أي يطهرهم من دنس الكفر والذنوب، وقال السديّ يأخذ زكاة أموالهم، وقيل يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان { وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } هذه صفة ثالثة لـ { رسولاً } ، والمراد بالكتاب القرآن، وبالحكمة السنة، كذا قال الحسن. وقيل الكتاب الخط بالقلم، والحكمة الفقه في الدين، كذا قال مالك بن أنس { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وإن كانوا من قبل بعثته فيهم في شرك وذهاب عن الحق. { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ } معطوف على الأميين أي بعث في الأميين، وبعث في آخرين منهم { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } ذلك الوقت، وسيلحقون بهم من بعد، أو هو معطوف على المفعول الأوّل في { يعلمهم } ، أي ويعلم آخرين، أو على مفعول { يزكيهم } ، أي يزكيهم ويزكي آخرين منهم، والمراد بالآخرين من جاء بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وقيل المراد بهم من أسلم من غير العرب. وقال عكرمة هم التابعون. وقال مجاهد هم الناس كلهم، وكذا قال ابن زيد، والسديّ، وجملة { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } صفة لـ { آخرين } ، والضمير في " منهم " و " لهم " راجع إلى الأميين، وهذا يؤيد أن المراد بالآخرين هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة، وهو صلى الله عليه وسلم، وإن كان مرسلاً إلى جميع الثقلين، فتخصيص العرب ها هنا لقصد الامتنان عليهم، وذلك لا ينافي عموم الرسالة، ويجوز أن يراد بالآخرين العجم لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإسلام منهم، والمسلمون كلهم أمة واحدة وإن اختلفت أجناسهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي بليغ العزة والحكمة، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى ما تقدّم ذكره.

السابقالتالي
2 3