الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ } أي وقع النداء لها، والمراد به الأذان إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نداء سواه، وقوله { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } بيان لإذا وتفسير لها. وقال أبو البقاء إن " من " بمعنى في، كما في قولهأَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأرْضِ } فاطر 40 أي في الأرض. قرأ الجمهور { الجمعة } بضم الميم. وقرأ عبد الله بن الزبير، والأعمش بإسكانها تخفيفاً. وهما لغتان، وجمعها جمع وجمعات. قال الفراء يقال الجمعة بسكون الميم وبفتحها وبضمها. وهي صفة لليوم، أي يوم يجمع الناس. قال الفراء أيضاً، وأبو عبيد والتخفيف أخفّ وأقيس، نحو غرفة وغرف، وطرفة وطرف، وحجرة وحجر. وفتح الميم لغة عقيل. وقيل إنما سميت جمعة لأن الله جمع فيها خلق آدم، وقيل لأن الله فرغ فيها من خلق كلّ شيء، فاجتمعت فيها جميع المخلوقات، وقيل لاجتماع الناس فيها للصلاة { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } قال عطاء يعني الذهاب والمشي إلى الصلاة. وقال الفراء المضيّ والسعي والذهاب في معنى واحد، ويدلّ على ذلك قراءة عمر بن الخطاب، وابن مسعود فامضوا إلى ذكر الله. وقيل المراد القصد. قال الحسن والله ما هو سعي على الأقدام ولكنه قصد بالقلوب والنيات، وقيل هو العمل كقولهومَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ } الإسراء 19 وقولهإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } الليل 4 وقولهوَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } النجم 39 قال القرطبي وهذا قول الجمهور، ومنه قول زهير
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم   
وقال أيضاً
سعى ساعياً غيظ بن مرة بعد ما تنزل ما بين العشيرة بالدم   
أي فاعملوا على المضيّ إلى ذكر الله، واشتغلوا بأسبابه من الغسل والوضوء والتوجه إليه، ويؤيد هذا القول قول الشاعر
أسعى على جل بني مالك كلّ امرىء في شأنه ساعي   
{ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } أي اتركوا المعاملة به، ويلحق به سائر المعاملات. قال الحسن إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحلّ الشراء والبيع، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى السعي إلى ذكر الله، وترك البيع، وهو مبتدأ، وخبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي خير لكم من فعل البيع، وترك السعي لما في الامتثال من الأجر والجزاء. وفي عدمه من عدم ذلك إذا لم يكن موجباً للعقوبة { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم من أهل العلم، فإنه لا يخفى عليكم أن ذلكم خير لكم { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ } أي إذا فعلتم الصلاة وأدّيتموها وفرغتم منها { فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأرْضِ } للتجارة والتصرّف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم { وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب، وقيل المراد به ابتغاء ما عند الله من الأجر بعمل الطاعات، واجتناب ما لا يحلّ { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي ذكراً كثيراً بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيويّ، وكذا اذكروه بما يقرّبكم إليه من الأذكار، كالحمد، والتسبيح، والتكبير، والاستغفار، ونحو ذلك { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به.

السابقالتالي
2 3