الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

قوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } جعل العمل المذكور بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيه، كما يربحون فيها، وذلك بدخولهم الجنة، ونجاتهم من النار. قرأ الجمهور { تنجيكم } بالتخفيف من الإنجاء. وقرأ الحسن، وابن عامر، وأبو حيوة بالتشديد من التنجية. ثم بيّن سبحانه هذه التجارة التي دلّ عليها فقال { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } وهو خبر في معنى الأمر للإيذان بوجوب الامتثال، فكأنه قد وقع، فأخبر بوقوعه، وقدّم ذكر الأموال على الأنفس لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد. قرأ الجمهور { تؤمنون } وقرأ ابن مسعود آمنوا، وجاهدوا على الأمر. قال الأخفش { تؤمنون } عطف بيان لـ { تجارة } ، والأولى أن تكون الجملة مستأنفة مبينة لما قبلها، والإشارة بقوله { ذٰلِكُمْ } إلى ما ذكر من الإيمان والجهاد، وهو مبتدأ، وخبره { خَيْرٌ لَّكُمْ } أي هذا الفعل خير لكم من أموالكم وأنفسكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم ممن يعلم، فإنكم تعلمون أنه خير لكم، لا إذا كنتم من أهل الجهل، فإنكم لا تعلمون ذلك. { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر، ولهذا جزم. قال الزجاج، والمبرد قوله { تُؤْمِنُونَ } في معنى آمنوا، ولذلك جاء { يغفر لكم } مجزوماً. وقال الفرّاء { يغفر لكم } جواب الاستفهام، فجعله مجزوماً لكونه جواب الاستفهام، وقد غلطه بعض أهل العلم. قال الزجاج ليسوا إذا دلّهم على ما ينفعهم يغفر لهم إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقال الرازي في توجيه قول الفراء إن { هَلْ أَدُلُّكُمْ } في معنى الأمر عنده، يقال هل أنت ساكت، أي اسكت، وبيانه أن " هل " بمعنى الاستفهام، ثم يتدرّج إلى أن يصير عرضاً وحثاً، والحثّ كالإغراء، والإغراء أمر. وقرأ زيد بن عليّ تؤمنوا، وتجاهدوا على إضمار لام الأمر. وقيل إن { يغفر لكم } مجزوم بشرط مقدّر، أي إن تؤمنوا يغفر لكم، وقرأ بعضهم بالإدغام في يغفر لكم، والأولى ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرّر، فلا يحسن إدغامه في اللام { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ } قد تقدّم بيان كيفية جري الأنهار من تحت الجنات { وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي في جنات إقامة { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك المذكور من المغفرة، وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو الفوز الذي لا فوز بعده، والظفر الذي لا ظفر يماثله. { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا } قال الأخفش، والفرّاء { أخرى } معطوفة على { تجارة } فهي في محل خفض، أي وهل أدلكم على خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة، وقيل هي في محل رفع، أي ولكم خصلة أخرى، وقيل في محل نصب، أي ويعطيكم خصلة أخرى.

السابقالتالي
2 3