الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قال المفسرون نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مشركي قريش يخبرهم بمسير النبيّ صلى الله عليه وسلم إليهم، وسيأتي ذكر القصة آخر البحث إن شاء الله، وقوله { عَدُوّى } هو المفعول الأوّل { وَعَدُوَّكُمْ } معطوف عليه، والمفعول الثاني أولياء، وأضاف سبحانه العدوّ إلى نفسه تعظيماً لجرمهم، والعدوُّ مصدر يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة، والآية تدلّ على النهي عن موالاة الكفار بوجه من الوجوه { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } أي توصلون إليهم المودّة على أن الباء زائدة، أو هي سببية. والمعنى تلقون إليهم أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبب المودّة التي بينكم وبينهم. قال الزجاج تلقون إليهم أخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم وسرّه بالمودّة التي بينكم وبينهم، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير تتخذوا ويجوز أن تكون مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته، أو لتفسير موالاتهم إياهم، ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء، وجملة { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ } في محل نصب على الحال من فاعل تلقون، أو من فاعل لا تتخذوا، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار. قرأ الجمهور { بما جاءكم } بالباء الموحدة. وقرأ الجحدري، وعاصم في رواية عنه لما جاءكم باللام، أي لأجل ما جاءكم من الحق على حذف المكفور به، أي كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سبباً للكفر توبيخاً لهم { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ } الجملة مستأنفة لبيان كفرهم، أو في محل نصب على الحال، وقوله { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبّكُمْ } تعليل للإخراج، أي يخرجونكم لأجل إيمانكم، أو كراهة أن تؤمنوا { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَاء مَرْضَاتِى } جواب الشرط محذوف، أي إن كنتم كذلك، فلا تلقوا إليهم بالمودّة، أو إن كنتم كذلك، فلا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء، وانتصاب { جهاداً } { وابتغاء } على العلة، أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي، وجملة { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } مستأنفة للتقريع والتوبيخ، أي تسرّون إليهم الأخبار بسبب المودّة، وقيل هي بدل من قوله { تُلْقُونَ }. ثم أخبر سبحانه بأنه لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فقال { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } والجملة في محل نصب على الحال، أي بما أضمرتم وما أظهرتم، والباء في { بما } زائدة، يقال علمت كذا، وعلمت بكذا، هذا على أن أعلم مضارع، وقيل هو أفعل تفضيل، أي أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوّي وعدوّكم أولياء، ويلقي إليهم بالمودّة، فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وضلّ عن قصد السبيل.

السابقالتالي
2 3