الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ }

لما ذكر سبحانه حكم فريقي الكافرين في جواز البرّ، والإقساط للفريق الأوّل دون الفريق الثاني ذكر حكم من يظهر الإيمان، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرٰتٍ } من بين الكفار، وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يردّ عليهم من جاءهم من المسلمين، فلما هاجر إليه النساء أبى الله أن يرددن إلى المشركين، وأمر بامتحانهنّ فقال { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أي فاختبروهنّ. وقد اختلف فيما كان يمتحنّ به، فقيل كان يستحلفهن بالله ما خرجن من بغض زوج، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا لالتماس دنيا بل حباً لله ولرسوله، ورغبة في دينه، فإذا حلفت كذلك أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردّها إليه، وقيل الامتحان هو أن تشهد أن لا إلٰه إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وقيل ما كان الامتحان إلاّ بأن يتلو عليهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية، وهي { يأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ } إلى آخرها. واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عهد الهدنة أم لا؟ على قولين، فعلى القول بالدخول تكون هذه الآية مخصصة لذلك العهد، وبه قال الأكثر. وعلى القول بعدمه لا نسخ، ولا تخصيص. { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ } هذه الجملة معترضة لبيان أن حقيقة حالهنّ لا يعلمها إلاّ الله سبحانه، ولم يتعبدكم بذلك، وإنما تعبدكم بامتحانهنّ حتى يظهر لكم ما يدلّ على صدق دعواهنّ في الرغوب في الإسلام { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـٰتٍ } أي علمتم ذلك بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرتم به { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي إلى أزواجهنّ الكافرين، وجملة { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } تعليل للنهي عن إرجاعهنّ. وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحلّ لكافر، وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها لا مجرّد هجرتها، والتكرير لتأكيد الحرمة، أو الأوّل لبيان زوال النكاح، والثاني لامتناع النكاح الجديد { وآتوهم ما أنفقوا } أي وأعطوا أزواج هؤلاء اللاتي هاجرن وأسلمن مثل ما أنفقوا عليهنّ من المهور. قال الشافعي وإذا طلبها غير الزوج من قراباتها منع منها بلا عوض. { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } لأنهنّ قد صرن من أهل دينكم { إذا آتيتموهنّ أجورهنّ } أي مهورهنّ، وذلك بعد انقضاء عدّتهنّ، كما تدلّ عليه أدلة وجوب العدة { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } قرأ الجمهور { تمسكوا } بالتخفيف من الإمساك، واختار هذه القراءة أبو عبيد، لقولهفَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } البقرة 231، وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمرو بالتشديد من التمسك، والعصم جمع عصمة، وهي ما يعتصم به، والمراد هنا عصمة عقد النكاح.

السابقالتالي
2 3 4 5