الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

قوله { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى، وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه، والفلق الشق أي هو سبحانه فالق الحبّ فيخرج منه النبات، وفالق النوى فيخرج منه النوى فيخرج منه الشجر. وقيل معنى { فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } الشق الذي فيهما من أصل الخلقة. وقيل معنى { فَالِقُ } خالق، والنوى جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ. قوله { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } هذه الجملة خبر بعد خبر، فهي في محل رفع. وقيل هي جملة مفسرة لما قبلها، لأن معناها معناه، والأول أولى، فإن معنى { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة. ومعنى { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحيّ، وجملة { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } معطوفة على { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } عطف جملة اسمية على جملة فعلية، ولا ضير في ذلك. وقيل معطوفة على فالق على تقدير أن جملة { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } مفسرة لما قبلها، والأوّل أولى، والإشارة بـ { ذلكم } إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقاً و { ٱللَّهُ } خبره. والمعنى أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال، والمفضل بكل إفضال، والمستحق لكل حمد وإجلال { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته؟ قوله { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } مرتفع على أنه من جملة أخبار «إنّ» في { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ }. وقيل هو نعت للاسم الشريف في { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ } ، وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر " فَالِقُ ٱلأَصْبَاحِ " بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بكسرها، وهو على قراءة الفتح جمع صبح، وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح. والصبح والصباح أوّل النهار، وكذا الإصباح، وقرأ النخعي " فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ " بفعل وهمزة مكسورة. والمعنى في { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه، أو يكون المعنى على حذف مضاف، أي فالق ظلمة الإصباح، وهي الغبش، أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار، لأنه يبدو مختلطاً بالظلمة ثم يصير أبيض خالصاً. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر، وعاصم وحمزة، والكسائي { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } حملاً على معنى { فَالِقُ } عند حمزة والكسائي، وأما عند الحسن وعيسى فعطفاً على " فلق ". وقرأ الجمهور، " وجاعل " عطفاً على { فالق }. وقرىء " فالق وجاعل " بنصبهما على المدح. وقرأ يعقوب «وجاعل الليل ساكناً». والسكن محل السكون، من سكن إليه إذ اطمأنّ إليه، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم، ويستريحون من التعب والنصب.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7