الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قوله { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } قدرت الشيء وقدّرته عرفت مقداره، وأصله الستر، ثم استعمل في معرفة الشيء، أي لم يعرفوه حق معرفته، حيث أنكروا إرساله للرسل، وإنزاله للكتب. وقيل المعنى وما قدروا نعم الله حق تقديرها. وقرأ أبو حيوة " وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ " بفتح الدال وهي لغة، ولما وقع منهم هذا الإنكار وهم من اليهود، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها، فقال { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ } وهم يعترفون بذلك ويذعنون له، فكان في هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره، مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه، من وقوع إنزال الله على البشر، وهم الأنبياء عليهم السلام، فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش، فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك، ويعلمونه بالأخبار من اليهود، وقد كانوا يصدقونهم، و { نُوراً وَهُدًى } منتصبان على الحال، و { لِلنَّاسِ } متعلق بمحذوف هو صفة لهدى، أي كائناً للناس. قوله { تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ } أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في { تُبْدُونَهَا } راجع إلى القراطيس، وفي { تَجْعَلُونَهُ } راجع إلى الكتاب، وجملة { تجعلونه } في محل نصب على الحال، وجملة { تبدونها } صفة لقراطيس { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } معطوف على { تبدونها } أي وتخفون كثيراً منها، والخطاب في { وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ } لليهود، أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقرّرة لما قبلها، والذي علموه هو الذي أخبرهم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور التي أوحى الله إليه بها، فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم، ولا على لسان أنبيائهم، ولا علمه آباؤهم، ويجوز أن يكون " ما " في { ما لم تعلموا } عبارة عما علموه من التوراة، فيكون ذلك على وجه المنّ عليهم بإنزال التوراة. وقيل الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم، فتكون «ما» عبارة عما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذي ألزمهم به حيث قال { مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ } فقال { قُلِ ٱللَّهُ } أي أنزله الله { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } أي ذرهم في باطلهم حال كونهم يلعبون، أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6