الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

قوله { وَوَهَبْنَا لَهُ } معطوف على جملة { وتلك حجتنا } عطف جملة فعلية على جملة اسمية. وقيل معطوف على { آتيناها } والأوّل أولى. والمعنى ووهبنا له ذلك جزاء له على الاحتجاج في الدين وبذل النفس فيه، و { كُلاًّ هَدَيْنَا } انتصاب { كلاً } على أنه مفعول لما بعده مقدّم عليه للقصر، أي كل واحد منهما هديناه، وكذلك نوحاً منصوب بهدينا الثاني، أو بفعل مضمر يفسره ما بعده { وَمِن ذُرّيَّتِهِ } أي من ذرية إبراهيم، وقال الفراء من ذرية نوح. واختاره ابن جرير الطبري، والقشيري، وابن عطية، واختار الأوّل الزجاج، واعترض عليه بأنه عدّ من هذه الذرية يونس ولوطاً، وما كان من ذرية إبراهيم، فإن لوطاً هو ابن أخي إبراهيم، وانتصب { دَاوُودُ وَسُلَيْمَـٰنَ } بفعل مضمر، أي وهدينا من ذرية داود وسليمان، وكذلك ما بعدها، وإنما عدّ الله سبحانه هداية هؤلاء الأنبياء من النعم التي عدّدها على إبراهيم، لأن شرف الأبناء متصل بالآباء. ومعنى { من قبل } في قوله { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } أي من قبل إبراهيم، والإشارة بقوله { وَكَذٰلِكَ } إلى مصدر الفعل المتأخر، أي ومثل ذلك الجزاء { نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ }. { وَإِلْيَاسَ } قال الضحاك هو من ولد إسماعيل، وقال القتيبي هو من سبط يوشع ابن نون، وقرأ الأعرج والحسن، وقتادة " وَإِلْيَاسَ " بوصل الهمزة، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم «واليسع» مخففاً. وقرأ الكوفيون إلا عاصماً بلامين، وكذلك قرأ الكسائي، ورد القراءة الأولى، ولا وجه للردّ فهو اسم أعجمي، والعجمة لا تؤخذ بالقياس، بل تؤدي على حسب السماع، ولا يمتنع أن يكون في الاسم لغتان للعجم، أو تغيره العرب تغييرين. قال المهدوي من قرأ بلام واحدة فالاسم يسع والألف واللام مزيدتان، كما في قول الشاعر
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا شديداً بأعباء الخلافة كاهله   
ومن قرأ بلامين فالاسم ليسع، وقد توهم قوم أن اليسع هو إلياس وهو وهم، فإن الله أفرد كل واحد منهما، وقال وهب اليسع صاحب إلياس، وكانوا قبل يحيـى وعيسى وزكريا. وقيل إلياس هو إدريس، وهذا غير صحيح، لأن إدريس جدّ نوح وإلياس من ذريته. وقيل إلياس هو الخضر وقيل لا بل اليسع هو الخضر { وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي كل واحد فضلناه بالنبوّة على عالمي زمانه، والجملة معترضة. قوله { وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوٰنِهِمْ } أي هدينا، و«من» للتبعيض، أي هدينا بعض آبائهم وذرياتهم وأزواجهم { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } معطوف على فضلنا. والاجتباء الاصطفاء أو التخليص أو الاختيار، مشتق من جبيت الماء في الحوض جمعته، فالاجتباء ضم الذي تجتبيه إلى خاصتك. قال الكسائي جبيت الماء في الحوض جباً مقصورة، والجابية الحوض، قال الشاعر

السابقالتالي
2 3