الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }

قيل المراد بظلمات البرّ والبحر شدائدهما. قال النحاس والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديداً، فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كوكب، أي يحتاجون فيه لشدّة ظلمته إلى كوكب، وأنشد سيبويه
بني أسد هل تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا   
والاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة؟ قرأ أبو بكر عن عاصم " خفية " بكسر الخاء. وقرأ الباقون بضمها، وهما لغتان. وقرأ الأعمش " وَخِيفَةً " من الخوف. وجملة { تَدْعُونَهُ } في محل نصب على الحال، أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرّع وخفية، أو متضرّعين ومخفين. والمراد بالتضرّع هنا دعاء الجهر. قوله { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام. وقرأ الكوفيون " لَّئِنْ أَنجَـٰنَا " والجملة في محل نصب على تقدير القول، أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدّة التي نزلت بنا، وهي الظلمات المذكورة { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد. قوله { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ } قرأ الكوفيون وهشام " يُنَجّيكُمْ " بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، وقراءة التشديد تفيد التكثير. وقيل معناهما واحد، والضمير في { مِنْهَا } راجع إلى الظلمات. والكرب الغم يأخذ بالنفس، ومنه رجل مكروب. قال عنترة
ومكروب كشفت الكرب عنه بطعنة فيصل لما دعاني   
{ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ } بالله سبحانه بعد أن أحسَن إليكم بالخلوص من الشدائد، وذهاب الكروب، شركاء لا ينفعونكم ولا يضرّونكم، ولا يقدرون على تخليصكم من كل ما ينزل بكم، فكيف وضعتم هذا الشرك موضع ما وعدتم به من أنفسكم من الشكر؟ ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم { هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً } أي الذي قدر على إنجائكم من تلك الشدائد، ودفع عنكم تلك الكروب، قادر على أن يعيدكم في شدّة ومحنة وكرب، يبعث عذابه عليكم من كل جانب. فالعذاب المبعوث من جهة الفوق ما ينزل من السماء من المطر والصواعق. والمبعوث من تحت الأرجل الخسف والزلازل والغرق. وقيل { مّن فَوْقِكُمْ } يعني الأمراء الظلمة { وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } يعني السفلة، وعبيد السوء. قوله { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } قرأ الجمهور بفتح التحتية، من لبس الأمر إذا خلطه. وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها، أي يجعل ذلك لباساً لكم. قيل والأصل أو يلبس عليكم أمركم، فحذف أحد المفعولين مع حرف الجرّ كما في قوله تعالىوَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } المطففين 3. والمعنى يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء. وقيل يجعلكم فرقاً يقاتل بعضكم بعضاً. والشيع الفرق، أي يخلطكم فرقاً.

السابقالتالي
2 3