الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } * { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله { أَرَأَيْتُكُم } الكاف والميم عند البصريين للخطاب، ولا حظ لهما في الإعراب، وهو اختيار الزجاج. وقال الكسائي والفراء وغيرهما إن الكاف والميم في محل نصب بوقوع الرؤية عليهما. والمعنى أرأيتم أنفسكم. قال في الكشاف مرجحاً للمذهب الأوّل إنه لا محل للضمير الثاني، يعني الكاف من الإعراب، لأنك تقول أرأيتك زيداً ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول أرأيت نفسك زيداً ما شأنه، وهو خلف من القول انتهى. والمعنى أخبروني { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } كما أتى غيركم من الأمم { أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } أي القيامة { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } هذا على طريقة التبكيت والتوبيخ، أي أتدعون غير الله في هذه الحالة من الأصنام التي تعبدونها، أم تدعون الله سبحانه؟ وقوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } تأكيد لذلك التوبيخ، أي أغير الله من الأصنام تدعون إن كنتم صادقين أن أصنامكم تضرّ وتنفع، وأنها آلهة كما تزعمون. قوله { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } معطوف على منفيّ مقدّر، أي لا تدعون غيره، بل إياه تخصون بالدعاء { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ } أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك. قوله { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى، أي ما تجعلونه شريكاً له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها، ولا ترجون كشف ما بكم منها، بل تعرضون عنها إعراض الناس. وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وتتركون ما تشركون. قوله { وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ } كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم، أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلاً فكذبوهم { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء } أي البؤس والضرّ. وقيل البأساء المصائب في الأموال، والضراء المصائب في الأبدان، وبه قال الأكثر { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي يدعون الله بضراعة، مأخوذ من الضراعة وهي الذلّ، يقال ضرع فهو ضارع، ومنه قول الشاعر
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح   
قوله { فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا، وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمرّدهم وغلوّهم في الكفر، ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرّعوا عند أن نزل بهم العذاب، وذلك تضرّع ضروري لم يصدر عن إخلاص، فهو غير نافع لصاحبه، والأول أولى، كما يدل عليه { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي صلبت وغلظت { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي. قوله { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ } أي تركوا ما ذكروا به، أو أعرضوا عما ذكروا به، لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به، إذ ليس هو من فعلهم، وبه قال ابن عباس، وابن جريج، وأبو علي الفارسي.

السابقالتالي
2 3