الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } * { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

قوله { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء ٱللَّهِ } هم الذين تقدّم ذكرهم. والمراد من تكذيبهم بلقاء الله تكذيبهم بالبعث، وقيل تكذيبهم بالجزاء. والأوّل أولى، لأنهم الذين قالوا قريباًإِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } الأنعام 29 { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } أي القيامة، وسميت ساعة لسرعة الحساب فيها. ومعنى بغتة فجأة، يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتاً وبغتة. قال سيبويه وهي مصدر في موضع الحال، قال ولا يجوز أن يقاس عليه، فلا يقال جاء فلان سرعة، و " حَتَّىٰ } غاية للتكذيب لا للخسران، فإنه لا غاية له { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا } هذا جواب { إذا جاءتهم } أوقعوا النداء على الحسرة، وليست بمنادى في الحقيقة ليدلّ ذلك على كثرة تحسرهم. والمعنى يا حسرتنا احضري، فهذا أوانك، كذا قال سيبويه في هذا النداء وأمثاله، كقولهم يا للعجب ويا للرجل. وقيل هو تنبيه للناس على عظم ما يحلّ بهم من الحسرة، كأنهم قالوا يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بنا من الحسرة، والحسرة الندم الشديد { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } أي على تفريطنا في الساعة، أي في الاعتداد لها، والاحتفال بشأنها، والتصديق بها. ومعنى فرّطنا ضيعنا، وأصله التقدّم، يقال فرط فلان أي تقدّم وسبق إلى الماء، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " وأنا فرطكم على الحوض " ، ومنه الفارط أي المتقدم فكأنهم أرادوا بقولهم { عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا } أي على ما قدّمنا من عجزنا عن التصديق بالساعة والاعتداد لها، وقال ابن جرير الطبري إن الضمير في { فرّطنا فيها } يرجع إلى الصفقة، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر، والدنيا بالآخرة { قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } في صفقتنا، وإن لم تذكر في الكلام، فهو دالّ عليها لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة. وقيل الضمير راجع إلى الحياة أي على ما فرّطنا في حياتنا. قوله { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } هذه الجملة حالية، أي يقولون تلك المقالة، والحال أنهم { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } أي ذنوبهم، جمع وزر يقال وزر يزر، فهو وازر وموزور، وأصله من الوزر. قال أبو عبيدة يقال للرجال إذا بسط ثوبه، فجعل فيه المتاع احمل وزرك، أي ثقلك، ومنه الوزير، لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية. والمعنى أنها لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها، وجعلها محمولة على الظهور تمثيل { أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } أي بئس ما يحملون. قوله { وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } أي وما متاع الدنيا إلا لعب ولهو على تقدير حذف مضاف، أو ما الدنيا من حيث هي، إلا لعب ولهو. والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم { مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } ، واللعب معروف، وكذلك اللهو، وكل ما يشغلك فقد ألهاك.

السابقالتالي
2 3 4