الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } * { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } قرأ الجمهور بالنون في الفعلين، وقرىء بالياء فيهما، وناصب الظرف محذوف مقدر متأخراً، أي يوم نحشرهم كان كيت وكيت، والاستفهام في { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ } للتقريع والتوبيخ للمشركين. وأضاف الشركاء إليهم، لأنها لم تكن شركاء لله في الحقيقة، بل لما سموها شركاء أضيفت إليهم، وهي ما كانوا يعبدونه من دون الله، أو يعبدونه مع الله. قوله { ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أي تزعمونها شركاء، فحذف المفعولان معاً، ووجه التوبيخ بهذا الاستفهام أن معبوداتهم غابت عنهم في تلك الحال، أو كانت حاضرة ولكن لا ينتفعون بها بوجه من الوجوه، فكان وجودها كعدمها. قوله { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } قال الزجاج تأويل هذه الآية أن الله عزّ وجلّ أخبر بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حتى رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنساناً يحب غاوياً، فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فتقول ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه انتهى. فالمراد بالفتنة على هذا كفرهم أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي افتخروا به، وقاتلوا عليه، إلا ما وقع منهم من الجحود والحلف على نفيه بقولهم { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وقيل المراد بالفتنة هنا جوابهم، أي لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبريء، فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذباً، وجملة { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } معطوفة على عامل الظرف المقدّر كما مرّ والاستثناء مفرّغ، وقرىء " فتنتهم " بالرفع وبالنصب. ويكن وتكن والوجه ظاهر، وقرىء " وَمَا كَانَ فِتْنَتُهُمْ " وقرىء " رَبَّنَا " بالنصب على النداء { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } بإنكار ما وقع منهم في الدنيا من الشرك، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي زال وذهب افتراؤهم وتلاشى، وبطل ما كانوا يظنونه من أن الشركاء يقرّبونهم إلى الله. هذا على أنّ " ما " مصدرية. وقيل هي موصولة عبارة عن الآلهة أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئاً، وهذا تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة. وقيل لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة لأنها دار لا يجري فيها غير الصدق، فمعنى { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } نفي شركهم عند أنفسهم، وفي اعتقادهم، ويؤيد هذا قوله تعالىوَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } النساء 42. قوله { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } هذا كلام مبتدأ لبيان ما كان يصنعه بعض المشركين في الدنيا، والضمير عائد إلى الذين أشركوا، أي وبعض الذين أشركوا يستمع إليك حين تتلو القرآن { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم، والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان، كننت الشيء في كنه إذا جعلته فيه، وأكننته أخفيته، وجملة { جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } مستأنفة للإخبار بمضمونها، أو في محل نصب على الحال، أي وقد جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن، أو لئلا يفقهوه، والوقر الصمم، يقال وقرت أذنه تقر وقراً أي صمت.

السابقالتالي
2 3 4 5