الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

قوله { قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } هذا احتجاج عليهم وتبكيت لهم، والمعنى قل لهم هذا القول فإن قالوا فقل لله، وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم، أو بقيام الحجة عليهم، فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب، ولكنه كتب على نفسه الرحمة، أي وعد بها فضلاً منه وتكرّماً، وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده، وارتفاع الوسائط دونه، وفي الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة، وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة، ومن رحمته لهم إرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الأدلة. قوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } اللام جواب قسم محذوف. قال الفراء وغيره يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله { ٱلرَّحْمَةِ } ويكون ما بعدها مستأنفاً على جهة التبيين، فيكون المعنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ليمهلنكم وليؤخرنّ جمعكم. وقيل المعنى ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه. وقيل " إِلَىٰ " بمعنى في، أي ليجمعنكم في يوم القيامة. وقيل يجوز أن يكون موضع { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } النصب على البدل من الرحمة، فتكون اللام بمعنى " أن ". والمعنى كتب ربكم على نفسه الرحمة أن يجمعنكم كما قالوا في قوله تعالىثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَـٰتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } يوسف 35 أي أن يسجنوه. وقيل إن جملة { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مسوقة للترهيب بعد الترغيب، وللوعيد بعد الوعد، أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم في معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة، والضمير في { لاَ رَيْبَ فِيهِ } لليوم أو للجمع. قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. قال الزجاج إن الموصول مرتفع على الابتداء وما بعده خبره كما تقول الذي يكرمني فله درهم، فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقال الأخفش إن شئت كان { ٱلَّذِينَ } في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي ليجمعنّ المشركين الذين خسروا أنفسهم، وأنكره المبرد، وزعم أنه خطأ، لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب. لا يقال مررت بك زيد ولا مررت بي زيد. وقيل يجوز أن يكون { ٱلَّذِينَ } مجروراً على البدل من المكذبين الذين تقدّم ذكرهم، أو على النعت لهم. وقيل إنه منادى وحرف النداء مقدّر. قوله { وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي لله، وخصّ الساكن بالذكر، لأن ما يتصف بالسكون أكثر مما يتصف بالحركة وقيل المعنى ما سكن فيهما أو تحرّك فاكتفى بأحد الضدّين عن الآخر، وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة. قوله { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } الاستفهام للإنكار، قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام، ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله ولياً، لا لاتخاذ الولي مطلقاً دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل.

السابقالتالي
2 3 4 5