الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

هذا الكلام مسوق لتقرير التوصية التي وصى الله عباده بها، وقد استشكل العطف بِثُمَّ مع كون قصة موسى وإيتائه الكتاب قبل المعطوف عليه. وهو ما تقدم من قوله { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } فقيل إن ثم ها هنا بمعنى الواو وقيل تقدير الكلام، ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل المعنى قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم، ثم أتل إيتاء موسى الكتاب وقيل إن التوصية المعطوف عليها قديمة لم يزل كل نبيّ يوصي بها أمته وقيل إن ثم للتراخي في الإخبار كما تقول بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت بالأمس أعجب. قوله { تَمَامًا } مفعول لأجله أو مصدر، و { عَلَى ٱلَّذِى أَحْسَنَ } قرىء بالرفع، وهي قراءة يحيـى بن يعمر، وابن أبي إسحاق، فيكون رفع أحسن على تقدير مبتدأ، أي على الذي هو أحسن، ومنه ما حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع ما أنا بالذي قائل لك شيئاً. وقرأ الباقون بالنصب على أنه فعل ماض عند البصريين، وأجاز الفراء والكسائي أن يكون اسماً نعتاً للذي، وهذا محال عند البصريين لأنه نعت للاسم قبل أن يتمّ، والمعنى عندهم تماماً على من أحسن قبوله والقيام به كائناً من كان، ويؤيد هذا أن ابن مسعود قرأ { تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَوا } وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن، فأنزل الله الكتاب تماماً على المحسنين. وقيل المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما علمه الله قبل نزول التوراة عليه. وقيل المعنى تماماً على الذي أحسن به الله عزّ وجلّ إلى موسى من الرسالة وغيرها. وقيل تماماً على إحسان موسى بطاعة الله عزّ وجلّ قاله الفراء. قوله { وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء } معطوف على تماماً، أي ولأجل تفصيل كل شيء، وكذا { هُدًى وَرَحْمَةً } معطوفتان، عليه أي وللهدى والرحمة، والضمير في لعلهم راجع إلى بني إسرائيل، المدلول عليه بذكر موسى، والباء في { بِلِقَاء } متعلقة بـ { يؤمنون }. قوله { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } الإشارة إلى القرآن، واسم الإشارة مبتدأ وخبره كتاب، وأنزلناه صفة لكتاب، ومبارك صفة أخرى له، وتقديم صفة الإنزال لكون الإنكار متعلقاً بها، والمبارك كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدنيوية والدينية { فَٱتَّبَعُوهُ } فإنه لما كان من عند الله، وكان مشتملاً على البركة، كان اتباعه متحتماً عليكم { وَٱتَّقَوْاْ } مخالفته، والتكذيب بما فيه { لَعَلَّكُمْ } إن قبلتموه ولم تخالفوه { تُرْحَمُونَ } برحمة الله سبحانه، و " أن " في { أَن تَقُولُواْ } في موضع نصب. قال الكوفيون لئلا تقولوا. وقال البصريون كراهة أن تقولوا.

السابقالتالي
2