الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

قوله { قُلْ تَعَالَوْاْ } أي تقدّموا. قال ابن الشجري إن المأمور بالتقدّم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعداً، فقيل له تعال، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدّم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي. وهكذا قال الزمخشري في الكشاف إنه من الخاص الذي صار عاماً، وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثروا واتسع فيه حتى عمّ. قوله { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } { أتل } جواب الأمر، و " ما " موصولة في محل نصب به، أي أتل الذين حرّمه ربكم عليكم. والمراد من تلاوة ما حرّم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه، ويجوز أن تكون " ما " مصدرية، أي أتل تحريم ربكم. والمعنى ما اشتمل على التحريم. قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرّم ربكم، على جعل التلاوة بمعنى القول، وهو ضعيف جداً، و { عليكم } أن تعلق بـ { أتل } ، فالمعنى أتل عليكم الذي حرّم ربكم، وإن تعلق بـ { حرّم } ، فالمعنى أتل الذي حرّم ربكم عليكم، وهذا أولى، لأن المقام مقام بيان ما هو محرّم عليكم لا مقام بيان ما هو محرّم مطلقاً وقيل إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها. والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره، أي الزموا ذلك كقوله تعالىعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } المائدة 105 وهو أضعف مما قبله، وأن في { أَن لا تُشْرِكُواْ } مفسرة لفعل التلاوة، وقال النحاس يجوز أن تكون في موضع نصب بدلاً من " ما " ، أي أتل عليكم تحريم الإشراك. وقيل يجوز أن يكون في محل رفع بتقدير مبتدأ، أي المتلوّ أن لا تشركوا، و { شيئاً } مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئاً من الأشياء، أو شيئاً من الإشراك. قوله { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } أي أحسنوا بهما إحساناً، والإحسان إليهما البرّ بهما، وامتثال أمرهما ونهيهما. وقد تقدّم الكلام على هذا. قوله { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مّنْ إمْلَـٰقٍ } لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد على الوالدين، وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق. والإملاق الفقر، فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق، وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرّج أن الإملاق الجوع بلغة لخم، وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق. يقال أملق ماله بمعنى أنفقه. والمعنى الأوّل هو الذي أطبق عليه أئمة اللغة، وأئمة التفسير ها هنا. { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ } أي المعاصي، ومنهوَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } الإسراء 32 وما في { مَا ظَهَرَ } بدل من الفواحش، وكذا ما بطن. والمراد بـ { ما ظهر } ما أعلن به منها، و { ما بطن } ما أسرّ.

السابقالتالي
2 3 4 5