الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } * { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة، وهم كفار قريش أو جميع المشركين، يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم، ولا حرّموا شيئاً من الأنعام، كالبحيرة ونحوها، وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التي ألزمهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما فعلوه حق، ولو لم يكن حقاً لأرسل الله إلى آبائهم الذين ماتوا على الشرك، وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلاً يأمرونهم بترك الشرك، وبترك التحريم لما لم يحرمه الله، والتحليل لما لم يحلله { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذي أنزلناه بهم، ثم أمره الله أن يقول لهم { هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } أي هل عندكم دليل صحيح بعد من العلم النافع، فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره، والمقصود من هذا التبكيت لهم، لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة، ويقوم به البرهان، ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم، وأنهم إنما يتبعون الظنون، أي ما يتبعون إلا الظنّ الذي هو محل الخطأ، ومكان الجهل { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } أي تتوهمون مجرّد توهم فقط كما يتوهم الخارص، وقد سبق تحقيقه، ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس، أي التي تنقطع عندها معاذيرهم، وتبطل شبههم، وظنونهم وتوهماتهم. والمراد بها الكتب المنزلة، والرسل المرسلة، وما جاءوا به من المعجزات { فَلَوْ شَاء } هدايتكم جميعاً { لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ولكنه لم يشأ ذلك، ومثله قوله تعالىوَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ } الأنعام 107 ومَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } الأنعام 111 ومثله كثير. ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين { هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } أي هاتوهم وأحضرهم، وهو اسم فعل يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والمجموع عند أهل الحجاز، وأهل نجد يقولون هلما هلمي هلموا، فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال، وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن، ومنه قوله تعالىوَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } الأحزاب 18 والأصل عند الخليل " ها " ضُمَّت إليها " لم " ، وقال غيره أصلها " هل " زيدت عليها الميم، وفي كتاب العين للخليل أن أصلها هل أؤم، أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم لها، وهذا أيضاً من باب التبكيت لهم، حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرّم تلك الأشياء، مع علمه أن لا شهود لهم { فَإِن شَهِدُواْ } لهم بغير علم، بل مجازفة وتعصب { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم، فإنهم كاذبون جاهلون، وشهادتهم باطلة { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } أي ولا تتبع أهواءهم، فإنهم رأس المكذبين بآياتنا.

السابقالتالي
2