الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قدّم { عَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ } على الفعل للدلالة على أن هذا التحريم مختص بهم لا يجاوزهم إلى غيرهم. والذين هادوا اليهود، ذكر الله ما حرّمه عليهم عقب ذكر ما حرّمه على المسلمين. والظفر واحد الأظفار، ويجمع أيضاً على أظافير، وزاد الفراء في جموع ظفر أظافر وأظافرة، وذو الظفر ما له أصبع من دابة أو طائر، ويدخل فيه الحافر والخف والمخلب، فيتناول الإبل والبقر، والغنم والنعام، والأوز والبط، وكل ما له مخلب من الطير، وتسمية الحافر والخف ظفراً مجاز. والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر في لغة العرب، لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ } فإن كان في لغة العرب بحيث يقال على البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصاً حرّم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالىفَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } النساء 160. قوله { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } لا غير هذه المذكورات كلحمهما، والشحوم يدخل فيها الثروب وشحم الكلية. وقيل الثروب جمع ثرب، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش، ثم استثنى الله سبحانه من الشحوم ما حملت ظهورهما من الشحم، فإنه لم يحرمه الله عليهم، و " مَا " في موضع نصب على الاستثناء { أَوِ ٱلْحَوَايَا } معطوف على ظهورهما، أي إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا، وهي المباعر التي يجتمع البعر فيها، فما حملته من الشحم غير حرام عليهم، وواحدها حاوية، مثل ضاربة وضوارب. وقيل واحدها حاوياء مثل قاصعاء وقواصع، وقيل حوية كسفينة وسفائن. وقال أبو عبيدة الحوايا ما تحوّى من البطن أي استدار، وهي متحوية أي مستديرة. وقيل الحوايا خزائن اللبن، وهي تتصل بالمباعر. وقيل الحوايا الأمعاء التي عليها الشحوم. قوله { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } معطوف على «ما» في { مَا حَمَلَتْ } كذا قال الكسائي والفراء وثعلب. وقيل إن الحوايا وما اختلط بعظم معطوفة على الشحوم. والمعنى حرّمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرّم، ولا وجه لهذا التكلف، ولا موجب له، لأنه يكون المعنى إن الله حرّم عليهم إحدى هذه المذكورات. والمراد بما اختلط بعظم ما لصق بالعظام من الشحوم في جميع مواضع الحيوان، ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى التحريم المدلول عليه بحرّمنا، أي ذلك التحريم جزيناهم به بسبب بغيهم. وقيل إن الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله { جَزَيْنَـٰهُم } أي ذلك الجزاء جزيناهم، وهو تحريم ما حرّمه الله عليهم { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } في كل ما نخبر به، ومن جملة ذلك هذا الخبر، وهو موجود عندهم في التوراة، ونصها «حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكل دابة ليست مشقوقة الحافر، وكل حوت ليس فيه سفاسف» أي بياض انتهى.

السابقالتالي
2