الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } * { وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }

قوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } أي الكفار مطلقاً، أو كفار قريش، وجهد الأيمان أشدّها، أي أقسموا بالله أشد أيمانهم التي بلغتها قدرتهم، وقد كانوا يعتقدون أن الله هو الإلٰه الأعظم، فلهذا أقسموا به، وانتصاب { جهد } على المصدرية، وهو بفتح الجيم المشقة، وبضمها الطاقة، ومن أهل اللغة من يجعلهما لمعنى واحد، والمعنى أنهم اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم آية من الآيات التي كانوا يقترحونها، وأقسموا لئن جاءتهم هذه الآية التي اقترحوها { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } وليس غرضهم الإيمان، بل معظم قصدهم التهكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتلاعب بآيات الله، فأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بقوله { إِنَّمَا ٱلآيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } هذه الآية التي يقترحونها، وغيرها، وليس عندي من ذلك شيء، فهو سبحانه إن أراد إنزالها أنزلها، وإن أراد أن لا ينزلها لم ينزلها. قوله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }. قرأ أبو عمرو، وابن كثير، بكسر الهمزة من " أنها " ، وهي قراءة مجاهد، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود " وَمَا يُشْعِرُكُمْ إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ " قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا المشركون أي وما يدريكم، ثم حكم عليهم بقوله { أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقال الفراء وغيره الخطاب للمؤمنين، لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وقرأ أهل المدينة والأعمش، وحمزة والكسائي، وعاصم، وابن عامر { أنها إذا جاءت } بفتح الهمزة. قال الخليل { أنها } بمعنى لعلها، وفي التنزيلوَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } عبس 3 أي أنه يزكي. وحكى عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً أي لعلك، ومنه قول عدي بن زيد
أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد   
أي لعل منيتي، ومنه قول دريد بن الصمة
أريني جواداً مات هزلاً لأنني أرى ما ترين أو بخيلاً مخلداً   
أي لعلني، وقول أبي النجم
قلت لشيبان ادن من لقائه أني نُغَدِّ اليوم من شوائه   
أي لعلي، وقول جرير
هل أنتم عائجون بنا لأن نرى العرصات أو أثر الخيام   
أي لعلنا ا هـ. وقد وردت في كلام العرب كثيراً بمعنى لعل. وحكى الكسائي أنها كذلك في مصحف أُبيّ بن كعب. وقال الكسائي أيضاً والفراء إن «لا» زائدة، والمعنى وما يشعركم أنها أي الآيات، إذا جاءت يؤمنون، فزيدت كما زيدت في قوله تعالىوَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } الأنبياء 95 وفي قولهمَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدَ }

السابقالتالي
2 3 4