الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

لما فرغ سبحانه من ذكر الطبقات الثلاث من المؤمنين، ذكر ما جرى بين المنافقين واليهود من المقاولة لتعجيب المؤمنين من حالهم، فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَـٰفَقُواْ } والخطاب لرسول الله، أو لكل من يصلح له، والذين نافقوا هم عبد الله بن أبيّ، وأصحابه، وجملة { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } مستأنفة لبيان المتعجب منه، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة، أو للدلالة على الاستمرار، وجعلهم إخواناً لهم لكون الكفر قد جمعهم، وإن اختلف نوع كفرهم، فهم إخوان في الكفر، واللام في { لإخوانهم } هي لام التبليغ، وقيل هو من قول بني النضير لبني قريظة، والأوّل أولى لأن بني النضير، وبني قريظة هم يهود، والمنافقون غيرهم، واللام في قوله { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ } هي الموطئة للقسم، أي والله لئن أخرجتم من دياركم { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } هذا جواب القسم، أي لنخرجن من ديارنا في صحبتكم { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ } أي في شأنكم، ومن أجلكم { أَحَدًا } ممن يريد أن يمنعنا من الخروج معكم، وإن طال الزمان، وهو معنى قوله { أَبَدًا }. ثم لما وعدوهم بالخروج معهم، وعدوهم بالنصرة لهم، فقالوا { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ لا ينصرونهم } على عدوّكم. ثم كذبهم سبحانه فقال { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما وعدوهم به من الخروج معهم والنصرة لهم. ثم لما أجمل كذبهم فيما وعدوا به فصّل ما كذبوا فيه فقال { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ } وقد كان الأمر كذلك، فإن المنافقين لم يخرجوا مع من أخرج من اليهود، وهم بنو النضير ومن معهم، ولم ينصروا من قوتل من اليهود، وهم بنو قريظة وأهل خيبر { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ } أي لو قدِّر وجود نصرهم إياهم لأن ما نفاه الله لا يجوز وجوده. قال الزجاج معناه لو قصدوا نصر اليهود { لَيُوَلُّنَّ ٱلاْدْبَـٰرَ } منهزمين { ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } يعني اليهود لا يصيرون منصورين إذا انهزم ناصرهم، وهم المنافقون، وقيل يعني لا يصير المنافقون منصورين بعد ذلك، بل يذلهم الله، ولا ينفعهم نفاقهم، وقيل معنى الآية لا ينصرونهم طائعين، ولئن نصروهم مكرهين ليولنّ الأدبار، وقيل معنى { لاَ يَنصُرُونَهُمْ } لا يدومون على نصرهم، والأوّل أولى، ويكون من باب قولهوَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } الأنعام 28. { لاَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِمْ مّنَ ٱللَّهِ } أي لأنتم يا معاشر المسلمين أشدّ خوفاً وخشية في صدور المنافقين، أو صدور اليهود، أو صدور الجميع من الله، أي من رهبة الله، والرهبة هنا بمعنى المرهوبية لأنها مصدر من المبني للمفعول، وانتصابها على التمييز { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } أي ما ذكر من الرهبة الموصوفة بسبب عدم فقههم لشيء من الأشياء، ولو كان لهم فقه لعلموا أن الله سبحانه هو الذي سلطكم عليهم، فهو أحقّ بالرهبة منه دونكم.

السابقالتالي
2 3 4