الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } لما ذكر سبحانه المؤمنين الواقفين عند حدوده ذكر المحادّين، والمحادّة المشاقة، والمعاداة، والمخالفة، ومثله قولهإِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } المجادلة 20 قال الزجاج المحادّة أن تكون في حدّ يخالف صاحبك، وأصلها الممانعة، ومنه الحديد، ومنه الحدّاد للبوّاب { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي أذلوا وأخزوا، يقال كبت الله فلاناً إذا أذله، والمردود بالذلّ يقال له مكبوت. قال المقاتلان أخزوا، كما أخزي الذين من قبلهم من أهل الشرك، وكذا قال قتادة، وقال أبو عبيدة، والأخفش أهلكوا. وقال ابن زيد عذبوا. وقال السديّ لعنوا. وقال الفرّاء أغيظوا، والمراد بمن قبلهم كفار الأمم الماضية المعادين لرسل الله، وعبّر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه، وقيل المعنى على المضيّ، وذلك ما وقع للمشركين يوم بدر، فإن الله كبتهم بالقتل والأسر، والقهر، وجملة { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } في محل نصب على الحال من الواو في كبتوا، أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حادّ الله ورسله من الأمم المتقدّمة، وقيل المراد الفرائض التي أنزلها الله سبحانه، وقيل هي المعجزات { وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } أي للكافرين بكل ما يجب الإيمان به. فتدخل الآيات المذكورة هنا دخولاً أوّلياً، والعذاب المهين الذي يهين صاحبه، ويذله، ويذهب بعزّه { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً } الظرف منتصب بإضمار اذكر، أو بمهين، أو بما تعلق به اللام من الاستقرار، أو بأحصاه المذكور بعده، وانتصاب { جميعاً } على الحال، أي مجتمعين في حالة واحدة، أو يبعثهم كلهم لا يبقي منهم أحد غير مبعوث { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } أي يخبرهم بما عملوه في الدنيا من الأعمال القبيحة توبيخاً لهم وتبكيتاً، ولتكميل الحجة عليهم، وجملة { أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل كيف ينبئهم بذلك على كثرته واختلاف أنواعه، فقيل أحصاه الله جميعاً، ولم يفته منه شيء، والحال أنهم قد نسوه ولم يحفظوه، بل وجدوه حاضراً مكتوباً في صحائفهم { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } لا يخفى عليه شيء من الأشياء، بل هو مطلع وناظر. ثم أكّد سبحانه بيان كونه عالماً بكل شيء، فقال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ } أي ألم تعلم أن علمه محيط بما فيهما بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما، وجملة { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } إلخ مستأنفة لتقرير شمول علمه وإحاطته بكل المعلومات. قرأ الجمهور { يكون } بالتحتية. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع، والأعرج، وأبو حيوة بالفوقية، وكان على القراءتين تامة، و " من " مزيدة للتأكيد، ونجوى فاعل كان، والنجوى السرار، يقال قوم نجوى، أي ذو نجوى، وهي مصدر.

السابقالتالي
2 3 4