الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } يقال فسح له يفسح فسحاً أي وسع له، ومنه قولهم بلد فسيح. أمر الله سبحانه بحسن الأدب مع بعضهم بعضاً بالتوسعة في المجلس، وعدم التضايق فيه. قال قتادة، ومجاهد، والضحاك كانوا يتنافسون في مجلس النبيّ، فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض. وقال الحسن، ويزيد بن أبي حبيب هو مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب كانوا يتشاحون على الصفّ الأوّل، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال لتحصيل الشهادة { فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة، أو في كلّ ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق وغيرهما. قرأ الجمهور { تفسحوا في المجلس } وقرأ السلمي، وزرّ بن حبيش، وعاصم في المجالس على الجمع لأن لكلّ واحد منهم مجلساً، وقرأ قتادة، والحسن، وداود بن أبي هند، وعيسى بن عمر تفاسحوا قال الواحدي والوجه التوحيد في المجلس لأنه يعني به مجلس النبيّ. وقال القرطبي الصحيح في الآية أنها عامة في كلّ مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب، أو ذكر، أو يوم الجمعة، وأن كلّ واحد أحقّ بمكانه الذي سبق إليه، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذّ بذلك، فيخرجه الضيق عن موضعه، ويؤيد هذا حديث ابن عمر عند البخاري، ومسلم، وغيرهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا " { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } قرأ الجمهور بكسر الشين فيها، وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم بضمها فيهما، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال نشز، أي ارتفع، ينشز وينشز كعكف يعكف ويعكف، والمعنى إذا قيل لكم انهضوا، فانهضوا. قال جمهور المفسرين أي انهضوا إلى الصلاة، والجهاد، وعمل الخير. وقال مجاهد، والضحاك، وعكرمة كان رجال يتثاقلون عن الصلاة، فقيل لهم إذا نودي للصلاة، فانهضوا. وقال الحسن انهضوا إلى الحرب. وقال ابن زيد هذا في بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ } عن النبيّ { فَانشُزُواْ } فإن له حوائج، فلا تمكثوا. وقال قتادة المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف، والظاهر حمل الآية على العموم والمعنى إذا قيل لكم انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية، فانهضوا ولا تتثاقلوا، ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصاً، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو الحق، ويندرج ما هو سبب النزول فيها اندراجاً أوّلياً، وهكذا يندرج ما فيه السياق، وهو التفسيح في المجلس اندراجاً أوّلياً، وقد قدّمنا أن معنى نشز ارتفع، وهكذا يقال نشز ينشز إذا تنحى عن موضعه، ومنه امرأة ناشز، أي متنحية عن زوجها، وأصله مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى، ذكر معناه النحاس { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ } في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ } أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا، والثواب في الآخرة، ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات، ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات، فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات، ثم رفعه بعلمه درجات، وقيل المراد بالذين آمنوا من الصحابة، وكذلك الذين أوتوا العلم، وقيل المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرءوا القرآن.

السابقالتالي
2 3 4