الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

قوله { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } يقال أنى لك يأني أنى إذا حان. قرأ الجمهور { ألم يأن } وقرأ الحسن، وأبو السماك ألما يأن، وأنشد ابن السكيت
ألما يأن لي أن تجلى عمايتي وأقصر عن ليلى؟ بلى قد أنى ليا   
و { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ } فاعل يأن، أي ألم يحضر خشوع قلوبهم ويجيء وقته، ومنه قول الشاعر
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المنير لنا عقلا؟   
هذه الآية نزلت في المؤمنين. قال الحسن يستبطئهم، وهم أحبّ خلقه إليه. وقيل إن الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد. قال الزجاج نزلت في طائفة من المؤمنين، حثوا على الرّقة والخشوع، فأما من وصفهم الله بالرّقة والخشوع، فطبقة فوق هؤلاء. وقال السديّ وغيره المعنى ألم يأن للذين آمنوا في الظاهر، وأسرّوا الكفر أن تخشع قلوبهم { لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، وسيأتي في آخر البحث ما يقوّي قول من قال إنها نزلت في المسلمين، والخشوع لين القلب ورقته. والمعنى أنه ينبغي أن يورثهم الذكر خشوعاً ورقة، ولا يكونوا كمن لا يلين قلبه للذكر ولا يخضع له { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } معطوف على ذكر الله، والمراد بما نزل من الحقّ القرآن، فيحمل الذكر المعطوف عليه على ما عداه مما فيه ذكر الله سبحانه باللسان، أو خطور بالقلب، وقيل المراد بالذكر هو القرآن، فيكون هذا العطف من باب عطف التفسير، أو باعتبار تغاير المفهومين. قرأ الجمهور { نزل } مشدّداً مبنياً للفاعل. وقرأ نافع، وحفص بالتخفيف مبنياً للفاعل. وقرأ الجحدري، وأبو جعفر، والأعمش، وأبو عمرو في رواية عنه مشدّداً مبنياً للمفعول. وقرأ ابن مسعود أنزل مبنياً للفاعل { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } قرأ الجمهور بالتحتية على الغيبة جرياً على ما تقدّم. وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة بالفوقية على الخطاب التفاتاً، وبها قرأ عيسى، وابن إسحاق، والجملة معطوفة على تخشع أي ألم يأن لهم أن تخشع، قلوبهم، ولا يكونوا؟ والمعنى النهي لهم عن أن يسلكوا سبيل اليهود والنصارى الذين أوتوا التوراة والإنجيل من قبل نزول القرآن { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأمَدُ } أي طال عليهم الزمان بينهم وبين أنبيائهم. قرأ الجمهور { الأمد } بتخفيف الدال، وقرأ ابن كثير في رواية عنه بتشديدها، أي الزّمن الطويل، وقيل المراد بالأمد على القراءة الأولى الأجل والغاية، يقال أمد فلان كذا، أي غايته { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } بذلك السبب، فلذلك حرّفوا وبدّلوا، فنهى الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مثلهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي خارجون عن طاعة الله لأنهم تركوا العمل بما أنزل إليهم، وحرّفوا وبدّلوا، ولم يؤمنوا بما نزل على محمد، وقيل هم الذين تركوا الإيمان بعيسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل هم الذين ابتدعوا الرهبانية، وهم أصحاب الصوامع.

السابقالتالي
2 3