الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } العامل في الظرف مضمر وهو اذكر، أو كريم، أو فيضاعفه، أو العامل في لهم، وهو الاستقرار، والخطاب لكل من يصلح له، وقوله { يَسْعَىٰ نُورُهُم } في محل نصب على الحال من مفعول ترى، والنور هو الضياء الذي يرى { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـٰنِهِم } وذلك على الصراط يوم القيامة، وهو دليلهم إلى الجنة. قال قتادة إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلاّ موضع قدميه. وقال الضحاك، ومقاتل وبأيمانهم كتبهم التي أعطوها، فكتبهم بأيمانهم، ونورهم بين أيديهم، قال الفراء الباء بمعنى " في " أي في أيمانهم، أو بمعنى " عن " ، قال الضحاك أيضاً نورهم هداهم، وبأيمانهم كتبهم، واختار هذا ابن جرير الطبري، أي يسعى أيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم. قرأ الجمهور { بأيمانهم } جمع يمين. وقرأ سهل بن سعد الساعديّ، وأبو حيوة بإيمانهم بكسر الهمزة على أن المراد بالإيمان ضدّ الكفر، وقيل هو القرآن، والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الحال من نورهم، أي كائناً بين أيديهم وبأيمانهم { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } بشراكم مبتدأ، وخبره جنات على تقدير مضاف، أي دخول جنات، والجملة مقول قول مقدّر، أي يقال لهم هذا، والقائل لهم هم الملائكة. قال مكيّ وأجاز الفراء نصب جنات على الحال، ويكون اليوم خبر بشراكم، وهذا بعيد جداً { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال مقدّرة، والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى النور والبشرى، وهو مبتدأ، وخبره { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي لا يقادر قدره حتى كأنه لا فوز غيره، ولا اعتداد بما سواه. { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتُ } { يوم } بدل من { يوم } الأوّل، ويجوز أن يكون العامل فيه { الفوز العظيم } ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدّر، أي اذكر { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } اللام للتبليغ كنظائرها. قرأ الجمهور { انظرونا } أمراً بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الانتظار، أيّ انتظرونا. يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة. وقرأ الأعمش، وحمزة، ويحيـى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار، أي أمهلونا، وأخرونا، يقال أنظرته واستنظرته، أي أمهلته واستمهلته. قال الفراء تقول العرب أنظرني، أي انتظرني، وأنشد قول عمرو بن كلثوم
أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا   
وقيل معنى انظرونا انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، فيستضيئون بنورهم { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي نستضيء منه، والقبس الشعلة من النار والسراج، فلما قالوا ذلك { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ } أي قال لهم المؤمنون، أو الملائكة زجراً لهم، وتهكماً بهم، أي ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور { فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } أي اطلبوا هنالك نوراً لأنفسكم، فإنه من هنالك يقتبس، وقيل المعنى ارجعوا إلى الدنيا، فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان، والأعمال الصالحة، وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكماً بهم { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } السور هو الحاجز بين الشيئين، والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار، أو بين أهل الجنة وأهل النار.

السابقالتالي
2 3 4