الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } أي نزّهه ومجده. قال المقاتلان يعني كل شيء من ذي روح وغيره، وقد تقدّم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قولهوَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } الإسراء 44 والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السمٰوات والأرض من العقلاء وغيرهم، والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجنّ، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم، فإن كل موجود يدل على الصانع. وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال لو كان هذا تسبيح الدلالة، وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة، فلم قال { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وإنما هو تسبيح مقال، واستدل بقولهوَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودُ ٱلْجِبَالَ يُسَبّحْنَ } الأنبياء 79 فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة، وفعل التسبيح قد يتعدّى بنفسه تارة، كما في قولهوَسَبّحُوهُ } الأحزاب 42 وباللام أخرى كهذه الآية، وأصله أن يكون متعدياً بنفسه لأن معنى سبحته بعدته عن السوء، فإذا استعمل باللام، فهي إما مزيدة للتأكيد، كما في شكرته، وشكرت له، أو هي للتعليل، أي افعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصاً له، وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضياً كهذه الفاتحة، وفي بعضها مضارعاً، وفي بعضها أمراً للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات لا يختصّ تسبيحها بوقت دون وقت، بل هي مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد، ولا يمانعه ممانع كائناً ما كان { ٱلْحَكِيمُ } الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب. { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } يتصرّف فيه وحده، ولا ينفذ غير تصرّفه وأمره، وقيل أراد خزائن المطر والنبات، وسائر الأرزاق { يحيى ويميت } الفعلان في محل رفع على أنهما خبر لمبتدأ محذوف، أو في محل نصب على الحال من ضمير له، أو كلام مستأنف، لبيان بعض أحكام الملك، والمعنى أنه يحيـي في الدنيا ويميت الأحياء، وقيل يحيـي النطف وهي موات، ويميت الأحياء، وقيل يحيـي الأموات للبعث { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء كائناً ما كان. { هُوَ ٱلاْوَّلُ } قبل كل شيء { وَٱلآخِرُ } بعد كل شيء، أي الباقي بعد فناء خلقه { وَٱلظَّـٰهِرُ } العالي الغالب على كل شيء، أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة { وَٱلْبَـٰطِنُ } أي العالم بما بطن، من قولهم فلان يبطن أمر فلان، أي يعلم داخلة أمره، ويجوز أن يكون المعنى المحتجب عن الأبصار، والعقول، وقد فسّر هذه الأسماء الأربعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي، فيتعين المصير إلى ذلك { وَهُوَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } لا يعزب عن علمه شيء من المعلومات.

السابقالتالي
2