الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } * { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } * { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله { فَلاَ أُقْسِمُ } ذهب جمهور المفسرين إلى أن " لا " مزيدة للتوكيد، والمعنى فأقسم، ويؤيد هذا قوله بعد { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ } وقال جماعة من المفسرين إنها للنفي، وإن المنفيّ بها محذوف، وهو كلام الكفار الجاحدين. قال الفراء هي نفي، والمعنى ليس الأمر كما تقولون. ثم استأنف، فقال أقسم، وضعف هذا بأن حذف اسم لا وخبرها غير جائز، كما قال أبو حيان، وغيره. وقيل إنها لام الابتداء، والأصل فلا أقسم، فأشبعت الفتحة، فتولد منها ألف، كقول الشاعر
أعوذ بالله من العقراب.   
وقد قرأ هكذا فلأقسم بدون ألف الحسن، وحميد، وعيسى بن عمر، وعلى هذا القول، وهذه القراءة يقدّر مبتدأ محذوف، والتقدير فلأنا أقسم بذلك. وقيل إن لا هنا بمعنى ألا التي للتنبيه، وهو بعيد. وقيل لا هنا على ظاهرها، وإنها لنفي القسم، أي فلا أقسم على هذا لأن الأمر أوضح من ذلك، وهذا مدفوع بقوله { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } مع تعيين المقسم به، والمقسم عليه، ومعنى قوله { بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } مساقطها، وهي مغاربها كذا قال قتادة، وغيره. وقال عطاء بن أبي رباح منازلها. وقال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة، وقال الضحاك هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا. وقيل المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوماً من اللوح المحفوظ، وبه قال السديّ، وغيره، وحكى الفراء عن ابن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن. قرأ الجمهور { مواقع } على الجمع، وقرأ ابن مسعود، والنخعي، وحمزة، والكسائي، وابن محيصن وورش عن يعقوب " بموقع " على الإفراد. قال المبرد موقع هاهنا مصدر، فهو يصلح للواحد والجمع. ثم أخبر سبحانه عن تعظيم هذا القسم وتفخيمه، فقال { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } هذه الجملة معترضة بين المقسم به، والمقسم عليه، وقوله { لَّوْ تَعْلَمُونَ } جملة معترضة بين جزأي الجملة المعترضة، فهو اعتراض في اعتراض. قال الفراء، والزجاج هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن، والضمير في { إنه } على القسم الذي يدل عليه أقسم، والمعنى أن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون. ثم ذكر سبحانه المقسم عليه فقال { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ } أي كرّمه الله وأعزّه، ورفع قدره على جميع الكتب، وكرّمه عن أن يكون سحراً أو كهانة أو كذباً، وقيل إنه كريم لما فيه من كرم الأخلاق ومعالي الأمور، وقيل لأنه يكرم حافظه، ويعظم قارئه. وحكى الواحدي عن أهل المعاني أن وصف القرآن بالكريم لأن من شأنه أن يعطي الخير الكثير بالدلائل التي تؤدّي إلى الحق في الدين. قال الأزهري الكريم اسم جامع لما يحمد، والقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7