الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } * { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } * { أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } * { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } * { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } * { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } * { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } * { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

{ ٱلنُّذُرُ } يجوز أن يكون جمع نذير، ويجوز أن يكون مصدر بمعنى الإنذار كما تقدّم، وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى، وهذا أولى لقوله { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلَّهَا } فإنه بيان لذلك، والمراد بها الآيات التسع التي تقدّم ذكرها { فَأَخَذْنَـٰهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } أي أخذناهم بالعذاب أخذ غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه شيء، ثم خوّف سبحانه كفار مكة فقال { أَكُفَّـٰرُكُمْ خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـئِكُمْ } والاستفهام للإنكار، والمعنى النفي، أي ليس كفاركم يا أهل مكة، أو يا معشر العرب خير من كفار من تقدّمكم من الأمم الذين أهلكوا بسبب كفرهم، فكيف تطمعون في السلامة من العذاب، وأنتم شرّ منهم. ثم أضرب سبحانه عن ذلك، وانتقل إلى تبكيتهم بوجه آخر هو أشد من التبكيت بالوجه الأوّل، فقال { أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى ٱلزُّبُرِ } والزبر هي الكتب المنزلة على الأنبياء، والمعنى إنكار أن تكون لهم براءة من عذاب الله في شيء من كتب الأنبياء. ثم أضرب عن هذا التبكيت، وانتقل إلى التبكيت لهم بوجه آخر، فقال { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أي جماعة لا تطاق لكثرة عددنا وقوّتنا، أو أمرنا مجتمع لا نغلب، وأفرد منتصراً اعتباراً بلفظ جميع. قال الكلبي المعنى نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } أي جمع كفار مكة، أو كفار العرب على العموم. قرأ الجمهور { سيهزم } بالتحتية مبنياً للمفعول. وقرأ ورش عن يعقوب { سنهزم } بالنون وكسر الزاي ونصب الجمع. وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة بالتحتية مبنياً للفاعل، وقرىء بالفوقية مبنياً للفاعل { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } قرأ الجمهور { يولون } بالتحتية، وقرأ عيسى، وابن أبي إسحاق، وورش عن يعقوب بالفوقية على الخطاب، والمراد بالدبر الجنس، وهو في معنى الإدبار، وقد هزمهم الله يوم بدر، وولوا الأدبار، وقتل رؤساء الشرك، وأساطين الكفر، فلله الحمد. { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } أي موعد عذابهم الأخرويّ، وليس هذا العذاب الكائن في الدنيا بالقتل والأسر والقهر، وهو تمام ما وعدوا به من العذاب، وإنما هو مقدّمة من مقدّماته وطليعة من طلائعه، ولهذا قال { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } أي وعذاب الساعة أعظم في الضرّ وأفظع، مأخوذ من الدهاء، وهو النكر والفظاعة، ومعنى أمرّ أشد مرارة من عذاب الدنيا، يقال دهاه أمر كذا، أي أصابه دهواً ودهياً. { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } أي في ذهاب عن الحقّ وبعد عنه، وقد تقدّم في هذه السورة تفسير { وَسُعُرٍ } ، فلا نعيده { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } والظرف منتصب بما قبله، أي كائنون في ضلال وسعر يوم يسحبون، أو بقول مقدّر بعده، أي يوم يسحبون يقال لهم { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } أي قاسوا حرّها وشدّة عذابها، وسقر علم لجهنم.

السابقالتالي
2