الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي قربت، ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوّة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة. ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة، فكلّ آت قريب { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أي وقد انشقّ القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة " قد " ، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوّة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. قال الواحدي وجماعة المفسرين على هذا إلاّ ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال المعنى سينشقّ القمر، والعلماء كلهم على خلافه. قال وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر لأن انشقاقه من علامات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة. قال ابن كيسان في الكلام تقديم وتأخير، أي انشقّ القمر، واقتربت الساعة. وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة. وقيل معنى { وانشقّ القمر } وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح، وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه، وطلوعه في أثنائها، كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه. قال ابن كثير قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. قال وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. قال الزجاج زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشقّ يوم القيامة، والأمر بين في اللفظ، وإجماع أهل العلم، لأن قوله { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } يدلّ على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة. انتهى، ولم يأت من خالف الجمهور، وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلاّ بمجرد استبعاد، فقال لأنه لو انشق في زمن النبوّة لم يبق أحد إلاّ رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء. ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلاً، ولا شرعاً، ولا عادة، ومع هذا، فقد نقل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد، ويضرب به في وجه قائله. والحاصل أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله، فقد أخبرنا بأنه انشقّ، ولم يخبرنا بأنه سينشق، وإن نظرنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيح، وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوّة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم، فقد اتفقوا على هذا، ولا يلتفت إلى شذوذ من شذّ، واستبعاد من استبعد، وسيأتي ذكر بعض ما ورد في ذلك إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7