الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } * { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } * { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } * { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } * { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } * { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } * { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } * { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } * { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } * { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

قوله { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } أي هو الخالق لذلك والقاضي بسببه. قال الحسن، والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار. وقال الضحاك أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر، وقيل أضحك من شاء في الدنيا بأن سرّه، وأبكى من شاء بأن غمه. وقال سهل بن عبد الله أضحك المطيعين بالرحمة، وأبكى العاصين بالسخط { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } أي قضى أسباب الموت والحياة، ولا يقدر على ذلك غيره، وقيل خلق نفس الموت والحياة، كما في قولهخَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } الملك 2 وقيل أمات الآباء، وأحيا الأبناء، وقيل أمات في الدنيا وأحيا للبعث، وقيل المراد بهما النوم واليقظة. وقال عطاء أمات بعدله وأحيا بفضله، وقيل أمات الكافر وأحيا المؤمن، كما في قولهأَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } الأنعام 122. { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأنثَىٰ * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } المراد بالزوجين الذكر والأنثى من كل حيوان، ولا يدخل في ذلك آدم وحوّاء، فإنهما لم يخلقا من النطفة، والنطفة الماء القليل، ومعنى { إِذَا تُمْنَىٰ } إذ تصبّ في الرحم وتدفق فيه، كذا قال الكلبي، والضحاك، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، يقال مني الرجل وأمنى، أي صب المنيّ. وقال أبو عبيدة { إِذَا تُمْنَىٰ } إذا تقدّر، يقال منيت الشيء إذا قدّرته ومني له، أي قدر له، ومنه قول الشاعر
حَتَّى تلاقي ما يمْني لَكَ الماني   
والمعنى أنه يقدّر منها الولد. { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأخْرَىٰ } أي إعادة الأرواح إلى الأجسام عند البعث وفاء بوعده. قرأ الجمهور { النشأة } بالقصر بوزن الضربة، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بالمدّ بوزن الكفالة، وهما على القراءتين مصدران. { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } أي أغنى من شاء وأفقر من شاء، ومثله قولهيَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ } الرعد 26 وقوله " يَقْبِضُ ويبسط " البقرة 245 قاله ابن زيد، واختاره ابن جرير. وقال مجاهد، وقتادة، والحسن أغنى موّل، وأقنى أخدم، وقيل معنى أقنى أعطى القنية، وهي ما يتأثل من الأموال. وقيل معنى أقنى أرضى بما أعطى، أي أغناه ثم رضاه بما أعطاه. قال الجوهري قنّى الرجل قنًى، مثل غنّى غنًى، أي أعطاه ما يقتني، وأقناه أرضاه، والقنى الرضى. قال أبو زيد تقول العرب من أعطى مائة من البقر فقد أعطى القنى، ومن أعطى مائة من الضأن فقد أعطى الغنى، ومن أعطى مائة من الإبل فقد أعطى المنى. قال الأخفش، وابن كيسان أقنى أفقر، وهو يؤيد القول الأوّل. { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشّعْرَىٰ } هي كوكب خلف الجوزاء كانت خزاعة تعبدها، والمراد بها الشعرى التي يقال لها العبور، وهي أشدّ ضياء من الشعرى التي يقال لها الغميصاء، وإنما ذكر سبحانه أنه ربّ الشعرى مع كونه رباً لكلّ الأشياء للردّ على من كان يعبدها، وأوّل من عبدها أبو كبشة، وكان من أشراف العرب، وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة تشبيهاً له به لمخالفته دينهم، كما خالفهم أبو كبشة، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم الفتح لقد أمر أمْر ابن أبي كبشة.

السابقالتالي
2 3 4