الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } * { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } * { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } * { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } * { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } * { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلآنثَىٰ } أي أن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث، وما بعده من الدار الآخرة، وهم الكفار يضمون إلى كفرهم مقالة شنعاء، وجهالةً جهلاء، وهي أنهم يسمون الملائكة المنزهين عن كل نقص تسمية الأنثى، وذلك أنهم زعموا أنها بنات الله، فجعلوهم إناثاً، وسموهم بنات { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ } هذه الجملة في محل نصب على الحال، أي يسمونهم هذه التسمية، والحال أنهم غير عالمين بما يقولون، فإنهم لم يعرفوهم، ولا شاهدوهم، ولا بلِّغ إليهم ذلك من طريق من الطرق التي يخبر المخبرون عنها، بل قالوا ذلك جهلاً وضلالةً وجرأة. وقرىء ما لهم بها أي بالملائكة، أو التسمية { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون في هذه المقالة إلاّ مجرّد الظنّ، والتوهم. ثم أخبر سبحانه عن الظنّ وحكمه، فقال { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقّ شَيْئاً } أي إن جنس الظنّ لا يغني من الحق شيئًا من الإغناء، والحقّ هنا العلم. وفيه دليل على أن مجرّد الظن لا يقوم مقام العلم، وأن الظانّ غير عالم. وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم، وهي المسائل العلمية لا فيما يكتفي فيه بالظنّ، وهي المسائل العملية، وقد قدّمنا تحقيق هذا. ولا بدّ من هذا التخصيص، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد، ونحو ذلك ظنية، فالعمل بها عمل بالظن، وقد وجب علينا العمل به في مثل هذه الأمور، فكانت أدلة وجوبه العمل به فيها مخصصة لهذا العموم، وما ورد في معناه من الذمّ لمن عمل بالظن والنهي عن اتباعه. { فَأَعْرَضَ عمن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } أي أعرض عن ذكرنا، والمراد بالذكر هنا القرآن، أو ذكر الآخرة، أو ذكر الله على العموم، وقيل المراد بالذكر هنا الإيمان، والمعنى اترك مجادلتهم، فقد بلغت إليهم ما أمرت به، وليس عليك إلاّ البلاغ، وهذا منسوخ بآية السيف { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } أي لم يرد سواها، ولا طلب غيرها بل قصر نظره عليها، فإنه غير متأهل للخير، ولا مستحقّ للاعتناء بشأنه. ثم صغر سبحانه شأنهم وحقر أمرهم، فقال { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مّنَ ٱلْعِلْمِ } أي إن ذلك التولي وقصر الإرادة على الحياة الدنيا هو مبلغهم من العلم ليس لهم غيره، ولا يلتفتون إلى سواه من أمر الدين. قال الفرّاء أي ذلك قدر عقولهم، ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة، وقيل الإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إلى جعلهم للملائكة بنات الله، وتسميتهم لهم تسمية الأنثى، والأوّل أولى. والمراد بالعلم هنا مطلق الإدراك الذي يندرج تحته الظنّ الفاسد، والجملة مستأنفة لتقرير جهلهم، واتباعهم مجرّد الظن، وقيل معترضة بين المعلل والعلة وهي قوله { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } ، فإن هذا تعليل للأمر بالإعراض، والمعنى أنه سبحانه أعلم بمن حاد عن الحق، وأعرض عنه، ولم يهتد إليه، وأعلم بمن اهتدى، فقبل الحق، وأقبل إليه، وعمل به، فهو مجاز كل عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7