الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } * { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } * { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } * { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } * { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ }

لما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم على الخصوص، فقال { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ } والموصول مبتدأ، وخبره { أَلْحَقْنَا بِهِمْ } ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدّر، أي وأكرمنا الذين آمنوا، ويكون ألحقنا مفسراً لهذا الفعل المقدّر. قرأ الجمهور { واتبعتهم } بإسناد الفعل إلى الذرّية. وقرأ أبو عمرو أتبعناهم بإسناد الفعل إلى المتكلم، كقوله { ألحقنا }. وقرأ الجمهور ذرّيتهم بالإفراد. وقرأ ابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب بالجمع، إلاّ أن أبا عمرو قرأ بالنصب على المفعولية لكونه قرأ وأتبعناهم، ورويت قراءة الجمع هذه عن نافع، والمشهور عنه كقراءة الجمهور. وقرأ الجمهور { ألحقنا بهم ذرّيتهم } بالإفراد. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، ويعقوب على الجمع، وجملة { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم } معطوف على { آمنوا } أو معترضة، و { بإيمان } متعلق بالاتباع، ومعنى هذه الآية أن الله سبحانه يرفع ذرّية المؤمن إليه، وإن كانوا دونه في العمل لتقر عينه، وتطيب نفسه بشرط أن يكونوا مؤمنين، فيختصّ ذلك بمن يتصف بالإيمان من الذرّية وهم البالغون دون الصغار، فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم، فبدليل آخر غير هذه الآية. وقيل إن الذرّية تطلق على الكبار والصغار، كما هو المعنى اللغوي، فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذرّيتهم وكبارهم، ويكون قوله { بِإِيمَـٰنٍ } في محل نصب على الحال، أي بإيمان من الآباء. وقيل إن الضمير في { بِهِمُ } راجع إلى الذرّية المذكورة أوّلاً، أي ألحقنا بالذرّية المتبعة لآبائهم بإيمان ذرّيتهم. وقيل المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار فقط، وظاهر الآية العموم، ولا يوجب تخصيصها بالمهاجرين والأنصار كونهم السبب في نزولها إن صحّ ذلك، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب { وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء } قرأ الجمهور بفتح اللام من " ألتنا " وقرأ ابن كثير بكسرها، أي وما نقصنا الآباء بإلحاق ذرّيتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئًا، فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا. وقيل المعنى وما نقصنا الذرية من أعمالهم شيئًا لقصر أعمارهم، والأول أولى، وقد قدمنا تحقيق معنى لاته، وألاته في سورة الحجرات. وقرأ ابن هرمز آلتناهم بالمدّ، وهو لغة. قال في الصحاح يقال ما آلته من عمله شيئًا،أي ما نقصه { كُلُّ ٱمْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } رهين بمعنى مرهون، والظاهر أنه عامّ، وأن كل إنسان مرتهن بعمله، فإن قام به على الوجه الذي أمره الله به فكه، وإلاّ أهلكه. وقيل هو بمعنى راهن، والمعنى كلّ امرىء بما كسب دائم ثابت. وقيل هذا خاصّ بالكفار لقولهكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } المدثر 38، 39. ثم ذكر سبحانه ما أمدّهم به من الخير، فقال { وَأَمْدَدْنَـٰهُم بِفَـٰكِهَةٍ وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } أي زدناهم على ما كان لهم من النعيم بفاكهة متنوّعة، ولحم من أنواع اللحمان مما تشتهيه أنفسهم، ويستطيبونه { يَتَنَـٰزَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي يتعاطون ويتناولون كأساً، والكأس إناء الخمر، ويطلق على كل إناء مملوء من خمر، أو غيره، فإذا فرغ لم يسم كأساً { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } قال الزجاج لا يجري بينهم ما يلغي، ولا ما فيه إثم، كما يجري بين من يشرب الخمر في الدنيا، والتأثيم تفعيل من الإثم، والضمير في { فِيهَا } راجع إلى الكأس، وقيل لا لغو فيها، أي في الجنة، ولا يجري فيها ما فيه إثم، والأوّل أولى.

السابقالتالي
2 3 4 5