الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } * { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } * { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

خوّف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية { قَبْلَهُمْ } أي قبل قريش ومن وافقهم { مّن قَرْنٍ } أي من أمة { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي قوة، كعاد وثمود، وغيرهما { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } أي ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها وأصله من النقب، وهو الطريق. قال مجاهد ضربوا وطافوا. وقال النضر بن شميل دوّروا، وقال المؤرج تباعدوا. والأوّل أولى، ومنه قول امرىء القيس
وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإيـاب   
ومنه قول الحارث بن حلزة
نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال   
وقرأ ابن عباس، والحسن، وأبو العالية، وأبو عمرو في رواية نقبوا بفتح القاف مخففة، والنقب هو الخرق والطريق في الجبل، وكذا المنقب والمنقبة، كذا قال ابن السكيت، وجمع النقب نقوب. وقرأ السلمي، ويحيـى بن يعمر بكسر القاف مشدّدة على الأمر للتهديد، أي طوّفوا فيها وسيروا في جوانبها. وقرأ الباقون بفتح القاف مشدّدة على الماضي { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل لهم من مهرب يهربون إليه، أو مخلص يتخلصون به من العذاب؟ قال الزجاج لم يروا محيصاً من الموت، والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصاً وحيوصاً ومحيصاً ومحاصاً وحيصاناً، أي عدل وحاد، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرًّا { إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي عقل. قال الفراء وهذا جائز في العربية، تقول ما لك قلب وما قلبك معك، أي ما لك عقل وما عقلك معك، وقيل المراد القلب نفسه لأنه إذا كان سليماً أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي. وقيل لمن كان له حياة ونفس مميزة فعبر عن ذلك بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها، ومنه قول امرىء القيس
أغرّك مني أن حبك قاتلي وأنك مهما تأمري النفس تفعل   
{ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي استمع ما يقال له، يقال ألق سمعك إليّ، أي استمع مني، والمعنى أنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى على تلك الأمم. قرأ الجمهور { ألقى } مبنياً للفاعل. وقرأ السلمي، وطلحة، والسديّ على البناء للمفعول، ورفع " السمع " { وَهُوَ شَهِيدٌ } أي حاضر الفهم، أو حاضر القلب لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه، فهو لم يحضر بفهمه. قال الزجاج أي وقلبه حاضر فيما يسمع. قال سفيان أي لا يكون حاضراً وقلبه غائب. قال مجاهد، وقتادة هذه الآية في أهل الكتاب، وكذا قال الحسن.

السابقالتالي
2 3