الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

قوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } أي ليختبرنكم، واللام جواب قسم محذوف، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفي الحرم، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت، وكان نزول الآية في عام الحديبية، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم، فكان إذا عرض صيدهم اختلفت فيه أحوالهم. وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية، هل هم المحلون أو المحرمون؟ فذهب إلى الأوّل مالك وإلى الثاني ابن عباس، والراجح أن الخطاب للجميع، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض، و«من» في { مّنَ ٱلصَّيْدِ } للتبعيض وهو صيد البر، قاله ابن جرير الطبري وغيره وقيل إن «من» بيانية أي شيء حقير من الصيد، وتنكير { شيء } للتحقير. قوله { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ } قرأ ابن وثاب " يناله " بالياء التحتية، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد، وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض، وبين ما تناله الرماح وهو ما يطيق الفرار، وخصّ الأيدي بالذكر لأنها أكثر ما يتصرّف به الصائد في أخذ الصيد، وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب. قوله { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْب } أي ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه. قولهلاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } المائدة 1 نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام، وفي معناه { غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم، لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم، وأحرم الرجل دخل في الحرم. قوله { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً } المتعمد هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام، والمخطىء هو الذي يقصد شيئاً فيصيب صيداً، والناسي هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه. وقد استدل ابن عباس، وأحمد في رواية، وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره، بل لا تجب إلا عليه وحده. وبه قال سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو ثور. وقيل إنها تلزم الكفارة المخطىء والناسي كما تلزم المتعمد، وجعلوا قيد التعمد خارجاً مخرج الغالب، روي عن عمر، والحسن، والنخعي، والزهري، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وروي عن ابن عباس. وقيل إنه يجب التكفير على العامد الناسي لإحرامه، وبه قال مجاهد، قال فإن كان ذاكراً لإحرامه فقد حلّ، ولا حج له، لارتكابه محظور إحرامه، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6