الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } خطاب لجميع المؤمنين. وقد تقدم تفسير الميسر في سورة البقرة { وَٱلأنصَابُ } هي الأصنام المنصوبة للعبادة، { وَٱلأزْلاَمُ }. قد تقدّم تفسيرها في أوّل هذه السورة، والرجس يطلق على العذرة والأقذار، وهو خبر للخمر، وخبر المعطوف عليه محذوف. وقوله { مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } صفة لرجس أي كائن من عمل الشيطان، بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له. وقيل هو الذي كان عمل هذه الأمور بنفسه فاقتدى به بنو آدم والضمير في { فَٱجْتَنِبُوهُ } راجع إلى الرجس أو إلى المذكور. وقوله { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } علة لما قبله. قال في الكشاف أكد تحريم الخمر والميسر وجوهاً من التأكيد، منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " شارب الخمر كعابد الوثن " ، ومنها أنه جعلهما رجساً، كما قالفَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } الحج 30، ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشرّ البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبة ومحقة، ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر، وما يؤديان إليه من الصدّ عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلوات انتهى. وفي هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصدّ، ولما تقرّر في الشريعة من تحريم قربان الرجس، فضلاً عن جعله شراباً يشرب. قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة، لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم، فأوّل ما نزل في أمرهايَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } البقرة 219 فترك عند ذلك بعص من المسلمين شربها، ولم يتركه آخرون، ثم نزل قوله تعالىلاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } النساء 43 فتركها البعض أيضاً، وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها البعض في غير أوقات الصلاة، حتى نزلت هذه الآية { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } فصارت حراماً عليهم، حتى كان يقول بعضهم ما حرّم الله شيئاً أشدّ من الخمر، وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها، وأنها من كبائر الذنوب. وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعاً لا شك فيه ولا شبهة، وأجمعوا أيضاً على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمراً، وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر، دلت أيضاً على تحريم الميسر، والأنصاب، والأزلام. وقد أشارت هذه الآية إلى ما في الخمر والميسر من المفاسد الدنيوية بقوله { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء } ومن المفاسد الدينية بقوله { وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ }.

السابقالتالي
2 3 4 5