الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا القول إلزاماً لهم وقطعاً لشبهتهم، أي أتعبدون من دون الله متجاوزين إياه ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً؟ بل هو عبد مأمور، وما جرى على يده من النفع، أو دفع من الضر، فهو بإقدار الله له وتمكينه منه، وأما هو فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئاً من ذلك، فضلاً عن أن يملكه لغيره، ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلٰهاً وتعبدونه، وأي سبب يقتضي ذلك؟ والمراد هنا المسيح عليه السلام، وقدّم سبحانه الضرّ على النفع لأن دفع المفاسد أهمّ من جلب المصالح. { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } أي كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرّاً ولا نفعاً، والحال أن الله هو السميع العليم، ومن كان كذلك فهو القادر على الضرّ والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم، ومن جملة ذلك مضارّكم ومنافعكم. قوله { تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة، نهاهم عن الغلوّ في دينهم، وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلٰهية لعيسى، كما يقوله النصارى، أو حطه عن مرتبته العلية، كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلوّ المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط، واختيارهما على طريق الصواب. " وَغَيْرَ " منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي غلوّاً غير غلوّ الحق، وأما الغلوّ في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه، واستخراج حقائقه فليس بمذموم، وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى، أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } من الناس { وَضَلُّواْ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي عن قصدهم طريق محمد صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيراً من الناس إذ ذاك، وضلوا من بعد البعثة، إما بأنفسهم، أو جعل ضلال من أضلوه ضلالاً لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل، وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع. قوله { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي لعنهم الله سبحانه { عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودُ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي، كاعتدائهم في السبت، وكفرهم بعيسى. قوله { ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ } جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، والإشارة بذلك إلى اللعن، أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر، ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله { كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ، فأسند الفعل إليهم لكونه فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعاً.

السابقالتالي
2 3