الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

{ نِعْمَةَ ٱللَّه } قيل هي الإسلام. والميثاق العهد. قيل المراد به هنا ما أخذه على بني آدم كما قالوَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى ءادَمَ } الآية الأعراف 172. قال مجاهد وغيره نحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الله به. وقيل هو خطاب لليهود، والعهد ما أخذه عليهم في التوراة. وذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم، إلى أنه العهد الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة عليهم، وهو السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأضافه تعالى إلى نفسه لأنه عن أمره وإذنه، كما قالإِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } الفتح 10، وبيعة العقبة مذكورة في كتب السيرة، وهذا متصل بقولهأَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } المائدة 1. قوله { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } أي وقت قولكم هذا القول، وهذا متعلق بواثقكم، أو بمحذوف وقع حالاً أي كائناً هذا الوقت. و { ذَاتُ ٱلصُّدُورِ } ما تخفيه الصدور لكونها مختصة بها لا يعلمها أحد. ولهذا أطلق عليها ذات التي بمعنى الصاحب، وإذا كان سبحانه عالماً بها، فكيف بما كان ظاهراً جلياً. قوله { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ } قد تقدّم تفسيرها في النساء، وصيغة المبالغة في { قَوَّامِينَ } تفيد أنهم مأمورون بأن يقوموا بها أتمّ قيام { لِلَّهِ } أي لأجله، تعظيماً لأمره، وطمعاً في ثوابه. والقسط العدل. وقد تقدّم الكلام على قوله { يَجْرِمَنَّكُمْ } مستوفى، أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل، وكتم الشهادة { ٱعْدِلُواْ هُوَ } أي العدل المدلول عليه بقوله { اعدلوا } { أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } التي أمرتم بها غير مرة، أي أقرب لأن تتقوا الله، أو لأن تتقوا النار. قوله { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله { وَعْدُ } على معنى وعدهم أن لهم مغفرة، أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه، ومثله قول الشاعر
وجدنا الصالحين لهم جزاء وجنات وعيناً سلسبيلاً   
قوله { أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } أي ملابسوها. قوله { إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } ظرف لقوله { ٱذْكُرُواْ } أو للنعمة، أو لمحذوف وقع حالاً منها { أَن يَبْسُطُواْ } أي بأن يبسطوا. وقوله { فَكَفَّ } معطوف على قوله { همّ } وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية، وبه يتضح المعنى. وقد أخرج ابن جرير، والطبراني في الكبير، عن ابن عباس في قوله { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } يعني حين بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب قالوا آمناً بالنبيّ والكتاب، وأقررنا بما في التوراة، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقرّوا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال النعم الآلاء، وميثاقه الذي واثقهم به، قال الذي واثق به بني آدم، في ظهر آدم عليه السلام.

السابقالتالي
2