الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً } هذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزواً ولعباً يعم كل من حصل منه ذلك من المشركين، وأهل الكتاب وأهل البدع المنتمين إلى الإسلام، والبيان بقوله { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } إلى آخره لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي إذا وجدت فيه العلة المذكورة التي هي الباعثة على النهي. قوله { وَٱلْكُفَّارَ } قرأ أبو عمرو، والكسائي بالجر على تقدير من، أي ومن الكفار. قال الكسائي وفي حرف أبيّ " وَمِنْ ٱلْكُفَّار " وقرأ من عداهما بالنصب. قال النحاس وهو أوضح وأبين. وقال مكي لولا اتفاق الجماعة على النصب لاخترت الخفض لقوّته في الإعرابِ وفي المعنى، والمراد بالكفار هنا المشركون، وقيل المنافقون { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } بترك ما نهاكم عنه من هذا وغيره { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فإن الإيمان يقتضي ذلك. والنداء الدعاء برفع الصوت، وناداه مناداة ونداء صالح به، وتنادوا أي نادى بعضهم بعضاً. وتنادوا أي جلسوا في النادي، والضمير في { ٱتَّخَذُوهَا } للصلاة أي اتخذوا صلاتكم هزواً ولعباً وقيل الضمير للمناداة المدلول عليها بناديتم. قيل وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذا الموضع، وأما قوله تعالى في الجمعةإِذَا نُودِىَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَة } الجمعة 9 فهو خاص بنداء الجمعة. وقد اختلف أهل العلم في كون الأذان واجباً أو غير واجب، وفي ألفاظه وهو مبسوط في مواطنه. قوله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } أي ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون، لأن الهزؤ واللعب شأن أهل السفه والخفة والطيش. قوله { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا } يقال نقمت على الرجل فأنا ناقم إذا عبت عليه. قال الكسائي نقمت بالكسر لغة، ونقمت الأمر أيضاً ونقمته إذا كرهته، وانتقم الله منه أي عاقبه، والاسم منه النقمة، والجمع نقمات، مثل كلمة وكلمات، وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون، والجمع نقم مثل نعمة ونعم وقيل المعنى يسخطون وقيل ينكرون. قال عبد الله بن قيس الرقيات
ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا   
وقال الله سبحانهوَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ } البروج 8 والمعنى في الآية هل تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا إلا إيماننا بالله وبكتبه المنزلة، وقد علمتم بأنا على الحق { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ } بترككم للإيمان، والخروج عن امتثال أوامر الله. وقوله { وَأَنْ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ } معطوف على { أن آمنا } أي ما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمرّدكم وخروجكم عن الإيمان. وفيه أن المؤمنين لم يجمعوا بين الأمرين المذكورين، فإن الإيمان من جهتهم والتمرّد والخروج من جهة الناقمين وقيل هو على تقدير محذوف أي واعتقادنا أن أكثركم فاسقون.

السابقالتالي
2 3 4 5