الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله { إِذَا قُمْتُمْ } إذا أردتم القيام تعبيراً بالمسبب عن السبب كما في قولهفَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْءانَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } النحل 98. وقد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة، فقالت طائفة هو عام في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهراً أو محدثاً، فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ، وهو مرويّ عن عليّ وعكرمة. وقال ابن سيرين كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة. وقالت طائفة أخرى إن هذا الأمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف، فإن الخطاب للمؤمنين والأمر لهم. وقالت طائفة الأمر للندب طلباً للفضل. وقال آخرون إن الوضوء لكل صلاة كان فرضاً عليهم بهذه الآية. ثم نسخ في فتح مكة. وقال جماعة هذا الأمر خاص بمن كان محدثاً. وقال آخرون المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، فيعمّ الخطاب كل قائم من نوم. وقد أخرج مسلم وأحمد وأهل السنن عن بريدة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة. فلما كان يوم الفتح، توضأ ومسح على خفيه، وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر يا رسول الله، إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، فقال " عمداً فعلته يا عمر " ، وهو مرويّ من طرق كثيرة بألفاظ متفقة في المعنى. وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قال قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث، فتقرر بما ذكر أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث، وبه قال جمهور أهل العلم وهو الحق. قوله { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة، وهو عضو مشتمل على أعضاء، وله طول وعرض، فحده في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، وفي العرض، من الأذن إلى الأذن، وقد ورد الدليل بتخليل اللحية. واختلف العلماء في غسل ما استرسل، والكلام في ذلك مبسوط في مواطنه. وقد اختلف أهل العلم أيضاً هل يعتبر في الغسل الدلك باليد أم يكفي إمرار الماء؟ والخلاف في ذلك معروف، والمرجع اللغة العربية، فإن ثبت فيها أن الدلك داخل في مسمى الغسل، كان معتبراً وإلا فلا. قال في شمس العلوم غسل الشيء غسلاً إذا أجرى عليه الماء ودلكه انتهى. وأما المضمضة والإستنشاق، فإذا لم يكن لفظ الوجه يشمل باطن الفم والأنف فقد ثبت غسلها بالسنة الصحيحة، والخلاف في الوجوب وعدمه معروف. وقد أوضحنا ما هو الحق في مؤلفاتنا. قوله { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } " إلى " للغاية، وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها فمحل خلاف.

السابقالتالي
2 3 4