الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

{ ٱبْتَغَوُاْ } اطلبوا { إِلَيْهِ } لا إلى غيره، { وَ ٱلْوَسِيلَةَ } فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه. قال عنترة
إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك تكحلي وتخضبي   
وقال آخر
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصابي بيننا والوسائل   
فالوسيلة القربة التي ينبغي أن تطلب، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد، وقتادة والسدي وابن زيد. وروي عن ابن عباس، وعطاء، وعبد الله بن كثير. قال ابن كثير في تفسيره وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة، لا خلاف بين المفسرين فيه. والوسيلة أيضاً درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين يسمع النداء اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " وفي صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن عمرو، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة " وفي الباب أحاديث، وعطف { وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } على { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يفيد أن الوسيلة غير التقوى. وقيل هي التقوى، لأنها ملاك الأمر، وكل الخير، فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى. والظاهر أن الوسيلة هي القربة تصدق على التقوى، وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب العباد بها إلى ربهم { وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ } من لم يقبل دينه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } كلام مبتدأ مسوق لزجر الكفار، وترغيب المسلمين في امتثال أوامر الله سبحانه { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِى ٱلأرْضِ } من أموالها ومنافعها وقيل المراد لكل واحد منهم ليكون أشدّ تهويلاً، وإن كان الظاهر من ضمير الجمع خلاف ذلك، و { جَمِيعاً } تأكيد. وقوله { وَمِثْلَهُ } عطف على ما في الأرض، و { مَعَهُ } في محل نصب على الحال { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } ليجعلوه فدية لأنفسهم، وأفرد الضمير إما لكونه راجعاً إلى المذكور، أو لكونه بمنزلة اسم الإشارة أي ليفتدوا بذلك، و { مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } متعلق بالفعل المذكور { مَا تُقُبّلَ مِنْهُمْ } ذلك، وهذا هو جواب لو. قوله { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } هذا استئناف بياني، كأنه قيل كيف حالهم فيما هم فيه من هذا العذاب الأليم؟ فقيل يريدون أن يخرجوا من النار.

السابقالتالي
2