الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } * { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } أي من أجل ذلك القاتل وجريرته وبسبب معصيته، وقال الزجاج أي من جنايته قال يقال أجل الرجل على أهله شراً يأجل أجلاً إذا جنى مثل أخذ يأخذ أخذاً. وقرأ أبو جعفر «من أجل» بكسر النون وحذف الهمزة، وهي لغة. قال في شرح الدرة قرأ أبو جعفر منفرداً «من أجل ذلك» بكسر الهمزة مع نقل حركتها إلى النون قبلها وقيل يجوز أن يكون قوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } متعلقاً بقوله { مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } ، فيكون الوقف على قوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } والأولى ما قدّمنا، والمعنى أن نبأ ابني آدم هو الذي تسبب عنه الكتب المذكور على بني إسرائيل، وعلى هذا جمهور المفسرين. وخصّ بني إسرائيل بالذكر لأن السياق في تعداد جناياتهم، ولأنهم أوّل أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس، ووقع التغليظ فيهم إذ ذاك لكثرة سفكهم للدماء، وقتلهم للأنبياء وتقديم الجار والمجرور على الفعل الذي هو متعلق به أعني كتبنا يفيد القصر أي من أجل ذلك لا من غيره، ومن لابتداء الغاية { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً } واحدة من هذه النفوس { بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي بغير نفس توجب القصاص، فيخرج عن هذا من قتل نفساً بنفس قصاصاً. قوله { أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ } قرأ الجمهور بالجرّ عطفاً على نفس. وقرأ الحسن بالنصب على تقدير فعل محذوف يدلّ عليه أوّل الكلام تقديره أو أحدث فساداً في الأرض، وفي هذا ضعف. ومعنى قراءة الجمهور أن من قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً. وقد تقرر أن كل حكم مشروط بتحقق أحد شيئين، فنقيضه مشروط بانتفائهما معاً، وكل حكم مشروط بتحققهما معاً، فنقيضه مشروط بانتفاء أحدهما ضرورة أن نقيض كل شيء مشروط بنقيض شرطه. وقد اختلف في هذا الفساد المذكور في هذه الآية ماذا هو؟ فقيل هو الشرك، وقيل قطع الطريق. وظاهر النظم القرآني أنه ما يصدق عليه أنه فساد في الأرض، فالشرك فساد في الأرض، وقطع الطريق فساد في الأرض، وسفك الدماء وهتك الحرم ونهب الأموال فساد في الأرض، والبغي على عباد الله بغير حق فساد في الأرض، وهدم البنيان وقطع الأشجار، وتغوير الأنهار فساد في الأرض، فعرفت بهذا أنه يصدق على هذه الأنواع أنها فساد في الأرض، وهكذا الفساد الذي سيأتي في قوله { وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً } يصدق على هذه الأنواع، وسيأتي تمام الكلام على معنى الفساد قريباً. قوله { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } اختلف المفسرون في تحقيق هذا التشبيه للقطع بأن عقاب من قتل الناس جميعاً أشدّ من عقاب من قتل واحداً منهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7