الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذا شروع في المحرّمات التي أشار إليها سبحانه بقوله { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }. والميتة قد تقدّم ذكرها في البقرة، وكذلك الدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحاً كما تقدّم، حملاً للمطلق على المقيد، وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلى الله عليه وسلم " أحلّ لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال " أخرجه الشافعي، وأحمد، وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده مقال، ويقوّيه حديث " هو الطهور ماؤه والحلّ ميتته " ، وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم، وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان، وقد أطلنا الكلام عليه في شرحنا للمنتقى. والإهلال رفع الصوت لغير الله كأن يقول بسم اللات والعزى ونحو ذلك، ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه، ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } هي التي تموت بالخنق وهو حبس النفس، سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين عودين، أو بفعل آدميّ أو غيره. وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها. { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } هي التي تضرب بحجر أو عصا، حتى تموت من غير تذكية، يقال وقَذَهَ يقَذُهَ وَقْذاً فهو وَقِيذٌ، والوقذ شدّة الضرب، وفلان وقيذ، أي مثخن ضرباً، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها، ومنه قول الفرزدق
شغارةٌ تقِذ الفَصيلَ بِرِجْلها فطارةٌ لِقَوادِمِ الأظْفَارِ   
قال ابن عبد البر واختلف العلماء قديماً وحديثاً في الصيد بالبندق والحجر والمعراض، ويعني بالبندق قوس البندقة، وبالمعراض السهم الذي لا ريش له. أو العصا التي رأسها محدّد، قال فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته، على ما روى عن ابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي، وخالفهم الشاميون في ذلك. قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق، فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأساً. قال ابن عبد البرّ هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع، قال والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة، حديث عديّ بن حاتم، وفيه " ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ " ، انتهى. قلت والحديث في الصحيحين وغيرهما. عن عديّ قال قلت يا رسول الله، إني أرمي بالمعراض الصيد، فأصيب فقال " إذا رميت بالمعراض فخرق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله "

السابقالتالي
2 3 4 5 6