الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه، فالداء قديم، والشرّ أصيل. وقد اختلف أهل العلم في ابني آدم المذكورين، هل هما لصلبه أم لا؟ فذهب الجمهور إلى الأوّل. وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني، وقالا إنهما كانا من بني إسرائيل، فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود، وكانت بينهما خصومة، فتقرّبا بقربانين ولم تكن القاربين إلا في بني إسرائيل. قال ابن عطية وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم واسمهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل، لأنه كان صاحب زرع واختارها من أراد زرعه، حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها، وكان قربان هابيل كبشاً لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه، فتقبل قربان هابيل، فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام، كذا قال جماعة من السلف، ولم يتقبل قربان قابيل، فحسده وقال لأقتلنك. وقيل سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى، إلا شيثاً عليه السلام فإنها ولدته منفرداً، وكان آدم عليه السلام يزّوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر. ولا تحلّ له أخته التي ولدت معه، فولدت مع قابيل أخت واسمها إقليما، ومع هابيل أخت ليست كذلك، واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيلأناأحق بأختي، فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر، فاتفقوا على القربان،وأنه يتزوجها من تقبل قربانه. قوله { بِٱلْحَقّ } متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر، { وَٱتْلُ } أي تلاوة متلبسة بالحق، أو صفة لنبأ أي نبأ متلبساً بالحق، والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل، و { قَالَ للأَقْتُلَنَّكَ } استئناف بياني، كأنه قيل فماذا حال الذي لم يتقبل قربانه؟ وقوله { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } استئناف كالأوّل كأنه قيل فماذا قال الذي تقبل قربانه؟ وإنما للحصر أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم، وكأنه يقول لأخيه إنما أتيت من قبل نفسك لا من قبلي، فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك. قوله { لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى } أي لأن قصدت قتلي، واللام هي الموطئة، و { مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ } جواب القسم سادّ مسدّ جواب الشرط، وهذا استسلام للقتل من هابيل، كما ورد في الحديث " إذا كانت الفتنة فكن خير ابني آدم " ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية. قال مجاهد كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفاً وأن لا يمتنع ممن يريد قتله، قال القرطبي قال علماؤنا وذلك مما يجوز ورود التعبد به، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعاً، وفي وجوب ذلك عليه خلاف.

السابقالتالي
2 3 4