الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ } كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بني إسرائيل من الخيانة. وقد تقدّم بيان الميثاق الذي أخذه الله عليهم. واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء، بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها، والنَّقَّابُ الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة، ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم. والنقيب الطريق في الجبل هذا أصله، وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم. والنقيب أعلى مكاناً من العريف، فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء، أنهم بعثوا أمناء على الإطلاع على الجبارين، والنظر في قوّتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك، فاطلعوا من الجبارين على قوّة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها، فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل، وأن يعلموا به موسى، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم، ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو، وقالواٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } المائدة 24 وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله، وهذا معنى بعثهم، وسيأتي ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك. قوله { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنّى مَعَكُمْ } أي قال ذلك لبني إسرائيل، وقيل للنقباء والمعنى إني معكم بالنصر والعون، واللام في قوله { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ } هي الموطئة للقسم المحذوف، وجوابه { لأكَفّرَنَّ } وهو سادّ مسدّ جواب الشرط. والتعزير التعظيم والتوقير، وأنشد أبو عبيدة
وكم من ماجد لهم كريم ومن ليث يعزر في الندّى   
أي يعظم ويوقر. ويطلق التعزير على الضرب والردّ، يقال عزّرت فلاناً إذا أدّبته ورددته عن القبيح، فقوله { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي عظمتموهم على المعنى الأوّل، أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني. قوله { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي أنفقتم في وجوه الخير، و { قَرْضًا } مصدر محذوف الزوائد، كقوله تعالىوَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } آل عمران 37 أو مفعول ثان لأقرضتم. والحسن قيل هو ما طابت به النفس وقيل ما ابتغى به وجه الله وقيل الحلال. قوله { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } أي بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي أخطأ وسط الطريق. قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } الباء سببية وما زائدة، أي فبسبب نقضهم ميثاقهم { لَعنَّـٰهُمْ } أي طردناهم وأبعدناهم { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي صلبة لا تعي خيراً ولا تعقله. وقرأ حمزة والكسائي «قسِّية» بتشديد الياء من غير ألف، وهي قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيـى بن وثاب يقال درهم قسىّ مخفف السين مشدّد الياء أي زائف، ذكر ذلك أبو عبيد.

السابقالتالي
2 3