الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ } معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدّر، هنا أي اذكر. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة. والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى. وقال السديّ وقطرب إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء، لما قالت النصارى فيه ما قالت، والأوّل أولى قيل " وَإِذْ " هنا بمعنى إذا كقوله تعالىوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ } سبأ 51 أي إذا فزعوا، وقول أبي النجم
ثم جزاك الله عني إذ جزى جنات عدن في السموات العلى   
أي إذا جزى، وقول الأسود بن جعفر الأسدي
في الآن إذ هازلتهنّ فإنما يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا   
أي إذا هازلتهنّ تعبيراً عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه. وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق. وقيل لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادّعوا عليه ما لم يقله. وقوله { مِن دُونِ ٱللَّهِ } متعلق بقوله { ٱتَّخِذُونِى } على أنه حال، أي متجاوزين الحدّ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلٰهين، أي كائنين من دون الله. قوله { سُبْحَـٰنَكَ } تنزيه له سبحانه، أي أنزهك تنزيهاً { مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ } أي ما ينبغي لي أن أدّعي لنفسي ما ليس من حقها { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } ردّ ذلك إلى علمه سبحانه، وقد علم أنه لم يقله، فثبت بذلك عدم القول منه. قوله { تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ } هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها، أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك، وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان. وقيل المعنى تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك. وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه. وقيل تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد. قوله { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِى بِهِ } هذه جملة مقرّرة لمضمون ما تقدّم، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ } هذا تفسير لمعنى { مَا قُلْتُ لَهُمْ } أي ما أمرتهم، وقيل عطف بيان للمضمر في { بِهِ } وقيل بدل منه { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } أي حفيظاً ورقيباً أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك { مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } أي مدّة دوامي فيهم { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى } قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه، وليس بشيء لأن الأخبار قد تضافرت بأنه لم يمت، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا، حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان، وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء.

السابقالتالي
2 3