الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } الظرف منصوب بفعل مقدر، أي، اذكر أو نحوه كما تقدّم، قيل والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم. قرأ الكسائي " هَل تَسْتَطِيعَ " بالفوقية، ونصب " ربك " ، وبه قرأ عليّ وابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد. وقرأ الباقون بالتحتية ورفع " ربك " واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالواآمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } المائدة 111 والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم. وأجيب بأن هذا كان في أوّل معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله، ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم، { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي لا تشكوا في قدرة الله. وقيل إنهم ادّعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة، ويردّه أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره، كما قالمَنْ أَنصَارِى إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } آل عمران 52 وقيل إن ذلك صدر ممن كان معهم، وقيل إنهم لم يشكوا في استطاعة البارىء سبحانه، فإنهم كانوا مؤمنين عارفين بذلك، وإنما هو كقول الرجل هل يستطيع فلان أن يأتي؟ مع علمه بأنه يستطيع ذلك ويقدر عليه، فالمعنى هل يفعل ذلك وهل يجيب إليه؟ وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلامرَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } الآية البقرة 260. ويدل على هذا قولهم من بعد { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } وأما على القراءة الأولى، فالمعنى هل تستطيع أن تسأل ربك؟ قال الزجاج المعنى هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله؟ فهو من بابوَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82، والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام، من ماده إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدّم إليه قاله قطرب وغيره. وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية قاله أبو عبيدة، فأجابهم عيسى عليه السلام بقوله { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي اتقوه من هذا السؤال، وأمثاله إن كنتم صادقين في إيمانكم، فإن شأن المؤمن ترك الاقتراح على ربه على هذه الصفة وقيل إنه أمرهم بالتقوى ليكون ذلك ذريعة إلى حصول ما طلبوه. قوله { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } بينوا به الغرض من سؤالهم نزول المائدة، وكذا ما عطف عليه من قولهم { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } والمعنى تطمئن قلوبنا بكمال قدرة الله، أو بأنك مرسل إلينا من عنده، أو بأن الله قد أجابنا إلى ما سألناه، ونعلم علماً يقيناً بأنك قد صدقتنا في نبوّتك، ونكون عليها من الشاهدين عند من لم يحضرها من بني إسرائيل، أو من سائر الناس، أو من الشاهدين لله بالوحدانية، أو من الشاهدين، أي الحاضرين دون السامعين.

السابقالتالي
2 3