الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }

قوله { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } العامل في الظرف فعل مقدّر، أي اسمعوا، أو اذكروا، أو احذروا. وقال الزجاج هو منصوب بقولهوَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المائدة 108 المذكور في الآية الأولى. وقيل بدل من مفعول { ٱتَّقَوْاْ } بدل اشتمال. وقيل ظرف لقوله { لاَّ يَهِدِّى } المذكور قبله. وقيل منصوب بفعل مقدّر متأخر تقديره يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ يكون من الأحوال كذا وكذا. قوله { مَاذَا أَجَبْتُمُ } أي أيّ إجابة أجابتكم به أممكم الذين بعثكم الله إليهم؟ أو أيّ جواب أجابوكم به؟ وعلى الوجهين تكون " ما " منصوبة بالفعل المذكور بعدها، وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم، وجوابهم بقولهم { لاَ عِلْمَ لَنَا } مع أنهم عالمون بما أجابوا به عليهم تفويض منهم، وإظهار للعجز، وعدم القدرة، ولا سيما مع علمهم بأن السؤال سؤال توبيخ فإن تفويض الجواب إلى الله أبلغ في حصول ذلك، وقيل المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا. وقيل لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم. وقيل المعنى لا علم لنا إلا علم ما أنت أعلم به منا. وقيل إنهم ذهلوا عما أجاب به قومهم لهول المحشر. قوله { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } " إذ " بدل، من { يوم يجمع } ، وهو تخصيص بعد التعميم وتخصيص عيسى عليه السلام من بين الرسل لاختلاف طائفتي اليهود والنصارى فيه إفراطاً وتفريطاً، هذه تجعله إلهاً، وهذه تجعله كاذباً. وقيل هو منصوب بتقدير اذكر، قوله { ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وٰلِدَتِكَ } ذكره سبحانه نعمته عليه وعلى أمه، مع كونه ذاكراً لها عالماً بتفضل الله سبحانه بها، لقصد تعريف الأمم بما خصهما الله به من الكرامة وميزهما به من علوّ المقام، أو لتأكيد الحجة، وتبكيت الجاحد، بأن منزلتهما عند الله هذه المنزلة، وتوبيخ من اتخذهما إلهين، ببيان أن ذلك الإنعام عليهما كله من عند الله سبحانه، وأنهما عبدان من جملة عباده منعم عليهما بنعم الله سبحانه، ليس لهما من الأمر شيء. قوله { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } " إذ " ظرف للنعمة لأنها بمعنى المصدر، أي اذكر إنعامي عليك وقت تأييدي لك، أو حال من النعمة أي كائنة ذلك الوقت { أَيَّدتُّكَ } قوّيتك مأخوذ من الأيد، وهو القوّة. وفي روح القدس وجهان أحدهما أنها الروح الطاهرة التي خصه الله بها، وقيل إنه جبريل عليه السلام، وقيل إنه الكلام الذي يحيى به الأرواح. والقدس الطهر، وإضافته إليه لكونه سببه، وجملة { تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ } مبينة لمعنى التأييد، و { فِى ٱلْمَهْدِ } في محل نصب على الحال، أي تكلم الناس حال كونك صبياً وكهلاً لا يتفاوت كلامك في الحالتين مع أن غيرك يتفاوت كلامه فيهما تفاوتاً بيناً.

السابقالتالي
2 3