الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قال مكيّ هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً. قال ابن عطية هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها، وذلك بين من كتابه رحمه الله، يعني من كتاب مكي. قال القرطبي ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضاً. قال السعد في حاشيته على الكشاف واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعراباً ونظماً وحكماً. قوله { شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ } أضاف الشهادة إلى البين توسعاً لأنها جارية بينهم وقيل أصله شهادة ما بينكم فحذفت «ما»، وأضيفت إلى الظرف كقوله تعالىبَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } سبأ 33 ومنه قول الشاعر
تصافح من لاقيت لي ذا عداوة صفايا وعني بين عينيك منزوي   
أراد ما بين عينيك، ومثله قول الآخر
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً   
أي شهدنا فيه، ومنه قوله تعالىهَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ } الكهف 78 قيل والشهادة هنا بمعنى الوصية وقيل بمعنى الحضور للوصية. وقال ابن جرير الطبري هي هنا بمعنى اليمين، فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان، واستدل على ما قاله بأنه لا يعلم لله حكماً يجب فيه على الشاهد يمين. واختار هذا القول القفال، وضعف ذلك ابن عطية، واختار أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تؤدى من الشهود. قوله { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } ظرف للشهادة، والمراد إذا حضرت علاماته، لأن من مات لا يمكنه الإشهاد، وتقديم المفعول للاهتمام ولكمال تمكن الفاعل عند النفس. وقوله { حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ } ظرف لحضر أو للموت، أو بدل من الظرف الأوّل. وقوله { ٱثْنَانِ } خبر شهادة على تقدير محذوف، أي شهادة اثنين أو فاعل للشهادة على أن خبرها محذوف، أي فيما فرض عليكم شهادة بينكم اثنان على تقدير أن يشهد اثنان، ذكر الوجهين أبو عليّ الفارسي. قوله { ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ } صفة للاثنان وكذا منكم أي كائنان منكم، أي من أقاربكم { أَوْ آخَرَان } معطوف على { اثنان } ، و { مِنْ غَيْرِكُمْ } صفة له، أي كائنان من الأجانب وقيل إن الضمير في { مّنكُمْ } للمسلمين، وفي { غَيْرِكُمْ } للكفار وهو الأنسب لسياق الآية، وبه قال أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس وغيرهما، فيكون في الآية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر، في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني، ويشهد له السبب للنزول وسيأتي، فإذا لم يكن مع الموصي من يشهد على وصيته من المسلمين فليشهد رجلان من أهل الكفر، فإذا قدما وأدّيا بالشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدّلا، وأن ما شهدا به حق، فيحكم حينئذ بشهادتهما { فَإِنْ عُثِرَ } بعد ذلك { عَلَىٰ أَنَّهُمَا } كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الموصي وغرم الشاهدان الكافران ما ظهر عليهما من خيانة أو نحوها، هذا معنى الآية عند من تقدم ذكره، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيـى بن يعمر، وسعيد بن جبير، وأبو مجلز، والنخعي وشريح، وعبيدة السلماني، وابن سيرين، ومجاهد، وقتادة، والسديّ، والثوري، وأبو عبيد، وأحمد بن حنبل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7